الاكتئاب: داء العصر!

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الاكتئاب: داء العصر!, اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024 02:54 صباحاً

"آه يا قيلة أقدامي، إذا شكت الأقدام أشواك الطريق".

-إبراهيم ناجي.

الحياة ميدان فسيح للنزهة وهي مضمار للتنافس أيضا. عاش الإنسان في السابق حياته البسيطة الخالية من زخم هذا العصر وقد أحيا سنن الكون الطبيعية من النوم الباكر والاستيقاظ الباكر بحثا عن لقمة العيش وبالرغم من صعوبة الحياة، إلا أن الإنسان تكيف معها وتجاوز عقباتها فريدا أو من خلال تعاضده مع البقية من أفراد المجتمع.

المتصفح للشعر والتراث من زمن الجاهلية إلى قبيل سقوط الأندلس لا يكاد يجد في ذلك التراث ما يدل على وجود الاكتئاب ودواعيه وإنما مبالغات في جنون الحب والشغف والحنين أو التأسي. وفي زمننا الذي يزخر بكل سبل الراحة وبكل دواعي الرفاهية إلا أن الغالب قد دخل في نوبة من الاكتئاب ومن لم يصبه الاكتئاب أصابه غباره. فما السبب وراء هذا الداء الفتّاك؟

هناك أسباب عدة وراء الاكتئاب وأولها وسائل التواصل الاجتماعي والتي أسميها دائما: (وسائل التفرقة) الاجتماعية، كالواتس والسناب وتويتر وغيرها التي أتت على بعض النفوس الضيقة فعززت من ضيقتها. وأتت على أناس في عزلة فعززت من عزلتهم. والمتصفح لهذه الوسائل يجد أن بعض أصحابها قد سخروها للانتقام والتشهير والرمي بالهاجرات. وقد سهلت هذه الوسائل الانتقام من خلال أحرف بسيطة أو صورة يرسل من خلالها الشخص رسائل مبطنة ينتقم بها ممن يريد. أصبح الشخص لا يواجه من أغضبه فلربما كان غضبه مبنيا على أساس غير صحيح وإنما يتوجه لجهازه لشن حربا فكرية شعواء على من أغضبه إما من خلال الكتابة أو من خلال صورة رمزية هجائية تضرب على أوداج المشاعر.

ومن أسباب الاكتئاب في زمننا هذا هو رفع سقف التوقعات الذي يبنيه البعض تجاه البعض. فرفع سقف الصداقة لدرجة الأخوة - أحيانا - يجلب معه صدمة "عكس التيار" حينما يخلف الصديق ظنك في موقف يسير، أو حينما يدير ظهره عنك عند حاجتك اليه أو لنصحه، ورفع سقف الأخوة لدرجة الملائكية قد يجلب معه صدمة "الشيطان الخفي" الذي أظهر لك بأنه أخ لك لكنه كان يبطن نزعة الشر أو الخبث والذي لم تنتبه له إلا بعد حين ولات حين مناص. ورفع سقف التوقع بزملاء العمل وأنت لا تزال على رأس العمل فتظن بأن القوم باقون على ما هم عليه من ود ووفاء منقطع النظير، وتصدم حينما تغادر كرسي منصبك أو حينما تتقاعد من وظيفتك فتجد أول صدمة في طريقك وهي "طردك من قروبات العمل شر طردة" بل ولن تجد من يسأل عنك ومع مرور الوقت لن تجد حتى من يرد على اتصالاتك لتدخل في نوبة اكتئاب لأنك فهمت معنى الوفاء متأخرا جدا.

من أسباب الاكتئاب أيضا أن تقارن حياتك بحياة غيرك على الرغم بأنك تعيش حياة يحلم بها ملايين البشر لكن الصبغة التي تكتسي بها حياة غيرك جعلت لها بريقا تحلم به ولا تستطيع أن تناله فتدخل في نوبة من الاكتئاب لأنك تتمنى ما في يد الغير ولا تتنعم بما أنعم الله عليك به من خير.

أخيرا: علاج الاكتئاب المنبثق من الحراك المجتمعي يكمن في ممارسة الرياضة بانتظام وأفضلها بعد صلاة الفجر، ومن أهم علاجات الاكتئاب خفض سقف التوقعات الإيجابية ممن حولك كي تخف وطأة الصدمة لاحقا وكذلك في رفع المناعة المجتمعية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق