جريدة جريدة وطني

أولمبياد 2024: إعلاميا وإعلانيا وسعوديا

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أولمبياد 2024: إعلاميا وإعلانيا وسعوديا, اليوم الأربعاء 11 سبتمبر 2024 01:42 صباحاً

تنأولت في مقال سابق الحديث عن دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي تنظمها اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية (‏International Olympic Committee) "OIC" ومقرها مدينة لوزان في سويسرا، وتضم اللجنة الأولمبية أكثر من 214 اتحادا للألعاب الرياضية المختلفة حول العالم، وتنظم الأولمبياد عالميا دورة للألعاب الصيفية في شهري يوليو وأغسطس ودورة أخرى للألعاب الشتوية لمدة أسبوعين في شهري مارس وأبريل، وبالتنأوب لكل منهما كل 4 سنوات، وقد نظمت الدورة الصيفية الأخيرة وللمرة الثالثة خلال عمر الأولمبياد الممتد إلى 120 عاما في مدينة باريس الفرنسية في الفترة من 29 يوليو إلى 11 أغسطس 2024م.

ولعل من أبرز النجاحات التي حققت في الدورة الأخيرة تحديدا.. وبالرغم من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى الأخلاقية، ورغم الجدل الذي أفرزته بعض السلبيات المقصودة وغير المقصودة إلا أنها وبالرغم من ذلك كله حققت العديد من الإيجابيات والنجاحات، ليس فقط الرياضية ولكن أيضا الإعلامية المميزة والإعلانية الفارقة سواء على مستوى العالم بأسره أو على مستوى الدورات الأولمبية السابقة، وكذلك في بعض الدول المشاركة في هذه الدورة تحديدا، ويركز هذا المقال على أهم الجوانب الإعلامية والإعلانية على وجه التحديد وخصوصا في المملكة العربية السعودية، ولعل من أبرزها ما يلي:

أولا: من الناحية الإعلامية فقد تضاعفت أعداد المشاهدين والمتابعين حول العالم لهذه الدورة عن الدورة السابقة في مدينة طوكيو اليابانية 2020م، والتي نظمت في أعقاب انتشار وباء كورونا ومخأوفه في العالم في 2019م، فقد شارف إجمالي معدلات المشاهدة التراكمية والمتابعة سواء على شاشات التلفزيون التقليدي أو وسائل الإعلام الرقمية من منصات رياضية لهذا العام إلى حدود 500 مليون مشاهد أو متابع، أي في حدود حوالي 20% من سكان العالم المقدر حاليا بحدود 8 مليارات نسمة، ويعتبر هذا العدد في حد ذاته عددا ضخما في ظل ما يعيشه العالم من ويلات ومشاكل وأزمات وحروب في السنوات الأخيرة حتى الآن.. علما بأن المحتوى الرياضي Sports يمثل عادة النسبة نفسها تقريبا فيما يشاهده العالم أجمع من محتوى إعلامي Media Content بشكل عام، حيث تتقدم المشاهدة التلفزيونية عالميا الدراما Drama في المرتبة الأولى في حدود 40% أي في حدود ضعف الرياضة تماما، وتلي الرياضة في المرتبة الثالثة للمشاهدة التلفزيونية كل من المعلومات Information أو الأخبار News بنسبة قد تصل إلى حدود 18% من عموم حجم المحتوى الإعلامي المشاهد تلفزيونيا عالميا، أي بنسبة تصل إلى حدود 10% فارقة بين الأخبار والرياضة كمحتوى إعلامي، وبالطبع قد تختلف نسب المشاهدة والمتابعة من دولة إلى أخرى ومن توقيت إلى آخر إلا أن تلك المشاهدات ما هي إلا إجماليات فقط أي مجرد مؤشرات ومتوسطات أو معدلات تراكمية تفصح عنها العديد من مراكز الإحصاءات في العالم، ومن أبرزهم حاليا مركز استاتيسا Statista للإحصاءات.

لعل من أبرز ما يميز دورة الألعاب الأولمبية الصيفية أنها تنظم عادة خلال شهري يوليو وأغسطس كل 4 سنوات، وهما الشهران الأقل نسبا في المشاهدة إعلاميا على التلفزيونات والوسائط الإعلامية الأخرى، وذلك بسبب مواسم الصيف والإجازات والسفر والسياحة في معظم بلدان العالم، كما أنها بالتأكيد أيضا تصبح هذه الفترة من أقل أشهر أو مواسم الإعلان خلال العام كنتيجة لقلة المشاهدة التلفزيونية وكذلك الحركة التجارية ومواسم الرواج للبيع أو الشراء في معظم المراكز التجارية في أغلب الدول، فيما عدا المنتجات الصيفية والسياحية المعتادة والمرتبطة بموسم الصيف على وجه الخصوص.

وقبل الانتقال للحديث عن الجوانب الإعلانية، فيما تجدر الإشارة إلى أن دورة الألعاب الأولمبية الصيفية تتصدر حاليا الدورات الرياضية الأخرى، خصوصا المقام منها على مدى أسبوعين مثل كأس العالم لكرة القدم وكذلك كأس أوروبا وكذلك الكؤوس الإقليمية القارية الأخرى، والتي ينظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا FIFA والاتحادات القارية الإقليمية.

تظل أعلى نسبة مشاهدة لمباراة رياضية واحدة فقط وفي يوم واحد أيضا على مستوى العالم مباريات السوبر بوول الأمريكية، والتي بلغت هذا العام مشاهدات تلفزيونية إجمالية تصل إلى 125 مليون مشاهد في أقل من ساعتين، ويلي مشاهدات السوبر بوول الأمريكي في الترتيب للمباراة واحدة كل من نهائي كأس العالم لكرة القدم في حدود 90 مليون مشاهد حول العالم، في آخر مباراة لكأس العالم التي تقام أيضا كل 4 سنوات، ثم نهائي كأس أوروبا لكرة القدم في المرتبة الثالثة على التوالي بحدود 80 مليون مشاهد في آخر مباراة.

ثانيا: من الناحية الإعلانية، بما أن ارتفاع نسب المشاهدة يعني بالضرورة زيادة الطلب الإعلاني على هذا المحتوى الإعلامي الرياضي المتميز؛ فالقاعدة العامة تقول: أعطني إعلاما جماهيريا ملموسا أعطيك إعلانا تجاريا ملحوظا.

حققت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس فرنسا عام 2024م ما قيمته حوالي 2 بليون دولار أمريكي، ويعد هذا الدخل أعلى دخل إعلاني تحقق ليس فقط للألعاب الأولمبية بأكمله خلال الأعوام الماضية حتى 2020م، ويتوزع هذا الدخل عادة بين حقوق بث وعرض للمشاهدة Viewership ورعاية إعلانية Sponsorship تشمل إعلانات تجارية وحملات إعلامية وعلاقات عامة وغيرها من أساليب وأدوات الترويج المختلفة.

وإذا كان هذا هو الوضع العالمي.. فقد بلغ متوسط سعر الإعلان لمدة 30 ثانية في فعاليات دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024م حدود 1.2 مليون دولار أمريكي، ويظل سعر الإعلان 30 ثانية في مباريات السوبر بوول الأمريكي الأعلى عالميا.. فقد بلغ في 2024م 7 بلايين دولار أمريكي، أي أكثر بحوالي 6 أضعاف سعر الإعلان في الألعاب الأولمبية الأخيرة، ويرى الخبراء أن سعر الإعلان في السوبر مبالغ فيه إلى حد كبير، إلا أنه الواقع الحادث فعليا ونتيجة للرصد الدقيق خلال ساعتي المباراة النهائية في عطلة نهاية الأسبوع.

ثالثا: من ناحية الوضع الإعلامي والإعلاني في المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بدورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت مؤخرا، ولكن قبل الخوض في تفاصيل الأرقام لا بد من الإشارة هنا لماذا المملكة العربية السعودية في المنطقة العربية على وجه التحديد.. ليس فقط بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والرياضي الذي تنعم بها المملكة فحسب.. ولكن لأسباب أخرى من أبرزها أن الاقتصاد السعودي يعد من أبرز اقتصاديات العالم ويأتي في المرتبة 18 من أكبر 20 اقتصادا في العالم G20.. ومن المخطط له بإذن الله تعالى ومن خلال رؤية المملكة 2030م أن يصل إلى المرتبة 15 في أكبر اقتصادات العالم G20.

كما يمثل الاقتصاد السعودي وحده ما يقدر بأكثر من 33% من اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي العربي، وكذلك يمثل الاقتصاد السعودي ما يزيد على 25% من اقتصاديات المنطقة العربية بأسرها، أضف إلى ذلك تجاوز الإيرادات غير النفطية بما يزيد على 53% من الإيرادات العامة للدولة خلال هذا العام.

تمثل الاستثمارات السعودية إعلاميا الأعلى خليجيا وعربيا سواء في داخل المملكة أو خارجها، ويشكل الإعلام وحده ما نسبته 13.4% من الناتج المحلي السعودي في 2024م، ويتوقع أن يصل هذا المعدل إلى نسبة 15% من الناتج المحلي السعودي وفقا لرؤية 2030م أو ربما قبل ذلك أيضا.

زادت نسب المشاهدة التلفزيونية للدورة الأولمبية 2024م بنسبة تصل إلى 8% للمحتوى الرياضي عما قبل الدورة الأولمبية.. والتي تبث حصريا على إحدى المنصات الرياضية العربية.. وتتمحور النسب الأكبر في المشاهدة في الذكور عن الإناث بشكل ملحوظ يصل إلى حدود 10%.. وتزيد بين الذكور العرب المقيمين على الذكور السعوديين المواطنين بالنسبة نفسها تقريبا.

أما من الناحية الإعلانية فلا يوجد حتى لحظة كتابة المقال أي تحديد دقيق للدخل الإعلاني خلال هذه الفترة، إلا أن الخبراء يعتقدون أن الزيادة الإعلانية من المتوقع أن تكون في حدود من 10-20%، وإن نافستها الأنشطة السياحية الداخلية في السعودية من فعاليات مواسم المملكة في أغلب مناطق المملكة.
تبقى وتظل السعودية الأولى إعلانيا عربيا سواء للإعلانات المحلية أو عبر الدول العربية والتي بلغت بنهاية 2023م حدود 40-50% من الإنفاق الإعلاني في المنطقة العربية، ويتوقع أن تتجاوز مع نهاية 2024م حدود 50% من إجمالي إنفاق إعلاني قد يصل إلى حدود 22 بليون دولار أمريكي، أي ما نسبته 2.2% من الإنفاق العالمي في 2024م، ولكن التحدي الأكبر أن الإنفاق الإعلاني العالمي بين الإجماليات والصافي المتبقي للوسائل الإعلامية سواء التقليدية أو غير التقليدية الرقمية عادة ما يتراوح حول 40%.. ولكن للأسف في منطقتنا العربية تصل هذه النسبة إلى الضعف في حدود 80%، إلا بعض الوسائل القوية نسبيا سواء في نسب الخصومات أو الحوافز التي تقدم للمعلنين أو للوكالات الإعلانية، مما زاد الطين بلة الأسعار المتدنية للوسائل الرقمية والتي تفرضها وتجبي معظمها كبريات مجموعات الشركات الرقمية والمحصورة في أكبر 6 شركات عالمية معروفة، مما يعصف بلا جدال بمقدرات ومداخيل الوسائل الأخرى التقليدية وغير التقليدية الأصغر أو حتى المتوسط.. وتلك للأسف هي مأساة اقتصاديات وسائل الإعلام عموما في الأعوام القادمة اعتبارا من 2025م.. حيث يتخطى الرقمي من الوسائل الإعلامية أكثر من 50%، ولا بد من البحث عن مصادر أخرى بديلة لتعوض الفارق في الأسعار والدخل حفاظا على سلامة المحتوى الإعلامي الجيد وإيقافا للمزيد من الهدر في الإنتاج الإعلامي غير الجيد.

في الختام؛ لن يصح إلا الصحيح والبقاء للأصح والأجود والأمثل استثماريا سواء من الناحية الإعلامية أو الناحية الإعلانية أو كلاهما معا.. وإن غدا لناظريه لقريب.. وعلى الرغم من بعض الممارسات السلبية تبرز عادة المزيد من الفرص للتغلب على التحديات التي تواجهها صناعتا الإعلام والإعلان على حد سواء في الحاضر والمستقبل.. وبإذن الله المستقبل أفضل وأحسن وأروع بالجهود المخلصة المثمرة كافة بإذن الله.

أخبار متعلقة :