نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
يتحدث بطلاقة!, اليوم الأربعاء 6 نوفمبر 2024 12:26 صباحاً
- كارلي كلوس.
تتناقل الناس بين الفينة والأخرى بأن فلان يتحدث اللغة بـ"طلاقة" وآخرها كان عبر مقطع متداول وقعت عيني عليه وأنا أتصفح إحدى الصحف حيث ظهر به أطفال يحيّون امرأة صينية بعبارة صينية شهيرة ومن ثم أضاف إليها آخر عبارة إنجليزية لترد عليهم الصينية بالاثنتين صينية وإنجليزية وكُتب عنوان المقطع يتحدثون الصينية بـ"طلاقة" ولا أعلم أي طلاقة يتحدثون بها. ليعلم الجميع أن لفظة "طلاقة" التي يطلقها البعض جزافا للترويج لمقطع أو غيره هي ترجمة للّفظة الإنجليزية: Fluency والتي تعني "سلاسة الحديث" أي أن المتحدث يجيد الحديث باللغة الأجنبية أيا كانت دون تلعثم أو تكلكل أو وقفات من الصمت المطبق كي يترجم في دماغه بلغته ما يريد أن يصيغه باللغة الأخرى.
وحينما نتحدث عن "السلاسة اللغوية" من منظور اللسانيات وتحديدا في مجال علم اكتساب اللغة وتعلمها: Language Acquisition and Learning فإننا نتحدث عن أمر من الصعب الإحاطة به في مقال قصير ولكن لعلي أعرّج على نقاط عدة لعلها تبين للقارئ مفهوم "السلاسة اللغوية" أو ما يسميه البعض بـ"الطلاقة". وقبل الخوض في معترك هذه اللفظة، لا بد من أن يفهم القارئ الفرق ما بين "اكتساب اللغة" وهو منهج غير منتظم في غالب أحيانه وهو بديهي تلقائي يعتمد على قدرة الفرد على سرعة الاستجابة للمحيط اللغوي المعزز للاكتساب لا تتدخل فيه عناصر التوجيه كثيرا من خلال "قل أو لا تقل". بينما "التعلم" هو المنحى الآخر من الاكتساب لكنه موجّه والذي يأتي تباعا للاكتساب من خلال المدرسة والمنهج والمعلم، التي تعيد صياغة وهيكلة الاكتساب ليكون وفق العرف اللغوي: Convention أو ما يسمى في اللسانيات بـ"المواضعة" أي ما اتفق عليه أهل لغة ما.
مفهوم "الطلاقة" الذي أصطلح عليه الناس لا يعني حفظ جُميلات أو عبارات لا تسمن ولا تغني من جوع وإنما أن تكون لدى الفرد قدرتان لغويتان متوازيتان وهما: الذخيرة لغوية: Implicit knowledge ومعارف تفسيرية لذخيرته اللغوي: Explicit knowledge كي نعده "طلقا في اللغة". فالذخيرة اللغوية أشبه بالبنك المعرفي الذي يستقي منه المتحدث ما يريد وفق السياق اللغوي المناط به الحديث، وهي ذخيرة ذات أبعاد متعددة من خلال أنظمة اللغة الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية بل ويتعدى لك ليشمل علم وظائف المعنى وكذلك القدرة التواصلية التي يعرف من خلالها استعمال كل عبارة وفقا لسياقها المجتمعي لا كما وردت في معاجم اللغة، فما يصح قوله في الأعياد لا يصح النطق به في العزاء.
والمعارف التفسيرية هي اللهب الذي تعرض عليه اللغة كي يقوم بتنقية ما يصح وما لا يصح من خلال قوانين كل لغة، وأقصد بقوانينها هنا "النظم اللغوي الشامل" فهو حين يقول في الإنجليزية: He speaks English. يعلم أين الضمير وهل الفعل الذي استعمله لازم أم متعدٍ وهل اللفظة الأخيرة مفعول به أم خبر يتم به المعنى أم غير ذلك، ويعلم من خلال نطقه أنه قد طرّز الجملة بنغمات صوتية تميزها وظيفيا عن أخواتها، فالعبارة السابقة He speaks English بالإمكان تحويرها صوتيا من خلال التطريز الصوتي: Intonation لتؤدي أغراضا تعجبية واستفهامية وخبرية دون المساس ببنيتها النحوية، وذلك هو سر "التفسير اللغوي للذخائر اللغوية".
وقد يرد في ذهنك بأن الشخص قد يتحدث اللغة دون الدراية بتفسير ظواهرها! وأقول لك "نعم" يمكن ذلك لكنه يفقه "تواضعا" ما يصح وما لا يصح وهو ما يسمى في اللسانيات بـ"الحدس اللغوي: Gut feeling الذي ترعرع به. وعلم "اللسانيات النسبية" قد أشار لذلك من خلال الأب المؤسس لنظرية: "نسبية اللغة" (وورف)، وكي أوضح لك نسبية اللغة بأبسط الأمثلة بأنك تستطيع أن تقرأ نشرة عن تركيب دواء ما بلغتك العربية لكن تجد نفسك عاجزا عن فهم ذلك ما لم تكن لديك دراية تفسيرية بعلم الأدوية والعقاقير، وذلك لأن الفهم هو "كعب أخيل: An Achilles’ Heel.
والسؤال: هل من قال: 你好 وترجمتها: "مرحبا" ونطقا: "نِي هَاوْ" يعلم أركان: 你好 في اللغة الصينية وأساليب تغييرها وإعرابها وبنية أجزائها الصوتية، ويميز همس كل صوت وجهره وتأثير نغمة التجاور في الحيز اللغوي وهل الصينية لغة مقطعية أم رمزية أم هجائية النظم حتى أقول عنه "طلقٌ في اللغة"...!
أخيرا: كثرة المبالغات في بعض الأمور ما هي الا استخفاف بالعقول - أحيانا - وهي أيضا تشير لجهل من يروّج لمثل هذه المبالغات باللغة وأنظمتها التي يموت الشخص ولم يحط بها، لذلك "حدّثوا الناس بما يعقلون، واحترموا العقول فليست العقول على وتيرة واحدة بل تتفاوت.
أخبار متعلقة :