جريدة جريدة وطني

الوطن.. إرث الأجداد وأمانة الأحفاد

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الوطن.. إرث الأجداد وأمانة الأحفاد, اليوم الاثنين 23 سبتمبر 2024 01:40 صباحاً

الوطن ليس مجرد أرض تمتد تحت أقدامنا، ولا هواء نستنشق منه الحياة، الوطن هو الروح التي تسكن أعماقنا، هو الشريان الذي يمدنا بالهوية، هو الحضن الدافئ الذي يحمينا ويحتضن أحلامنا وتطلعاتنا، الوطن هو المنبع الذي نستقي منه كل معنى سام، وكل شعور عظيم، إنه النور الذي يضيء دروبنا، والملاذ الذي نهرب إليه حين تضيق بنا السبل، من دون وطن، يصبح الإنسان كريشة في مهب الريح، تتقاذفها الأقدار دون هدف أو وجهة، فالإنسان بلا وطن كالجسد بلا روح، كالنجم الذي انطفأ وفقد بريقه وسقط في غياهب الظلام.

وما أعجب أولئك الذين يقدر لهم أن يولدوا في أوطان عظيمة، ثم يعمدون إلى هجرها أو يسعون في تدميرها! كيف لا يدركون أن الوطن ليس جدارا يهدم ولا ترابا يلقى به، بل هو روح تقتل، وهوية تمحى؟ أي عاقل يمكن أن يرضى بتدمير وطنه، وكأنما يغرس خنجرا في قلبه؟ أي إنسان رشيد يسعى إلى تفتيت الوطن الذي هو جزء من روحه وكيانه؟ إن الله قد منحنا نعمة العقل، وجعلنا قادرين على التفكير والتدبر، فكيف لعقل مستنير أن يسير في طريق الخراب والدمار؟ إن من يسعى إلى تدمير وطنه كمن يسعى إلى إلغاء وجوده، ولا خير في عقل يهدم ما هو أصل وجوده.

إني يا كرام، لا أحب التملق ولا أتصنع الوطنية، فما كان قلبي يوما ميالا إلى الكلمات الجوفاء، ولا كان عقلي راضيا عن أن يتبع هوى المبالغات، إنني أكتب هذه الكلمات من منبع الحقيقة الخالصة، ومن نور العقل الذي يرشدني ويضيء طريقي، فأنا لست ممن يسرفون في الكلام بغير عمق، ولا ممن يتزينون بالوطنية أمام الناس وهم في باطنهم لا يعرفون معناها، إنما الوطنية في نظر العقل السليم، ليست شعارا يرفع ولا كلمات تقال، بل هي إحساس عميق بالجذور، وعلاقة لا تنفصل بين الإنسان وأرضه.

إن العقل، ذلك النور الذي أنعم الله به علينا، يعلمني أن الوطن جزء مني كما أنا جزء منه، فأنا أنتمي إلى هذا الوطن بكل خلية في جسدي، بكل نبضة في قلبي، وكل فكرة تنبثق في عقلي، الوطن ليس مفهوما عابرا ولا فكرة يمكن التلاعب بها، بل هو الحقيقة التي تسري في دمي، وهو الكيان الذي يحميني ويمنحني القوة، إنه المرآة التي أرى فيها نفسي، والأرض التي أستند إليها، والعز الذي أشعر به في كل خطوة أخطوها.

أجدادنا، أولئك الذين سبقونا على هذه الأرض، لم يكن طريقهم مكللا بالورود، بل كانوا يعرفون الصعاب كما يعرفون أسماءهم. لقد تجرعوا مرارة الحياة وواجهوا القسوة بكل شجاعة وثبات، حتى يتركوا لنا هذا الوطن الذي ننعم فيه اليوم، لم تكن أيامهم سهلة، ولم تكن لياليهم هادئة بل كانت حافلة بالتضحيات، مليئة بالعمل الدؤوب والجهد المتواصل، لقد قدموا لنا هذا الوطن ككنز لا يقدر بثمن، كأمانة يجب علينا أن نصونها، وكإرث يتوجب علينا أن نحافظ عليه.

وإذا كان الأجداد قد ذاقوا العذاب ليتركوا لنا هذا الوطن، فهل يليق بنا اليوم أن نكون أقل منهم وفاء؟ إن الواجب الذي يحمله كل منا في قلبه تجاه وطنه هو أن نصونه كما صانه أجدادنا، وأن نعمل على تطويره ليظل مصدرا للعزة والفخر للأجيال القادمة. الوطن يا كرام ليس ملكا لجيل واحد، بل هو قاسم مشترك بين الماضي والحاضر والمستقبل، هو الجسر الذي يصل الماضي بالحاضر ويعبر إلى المستقبل، فإن كنت تحب أبناءك كما أحب أجدادك أبناءهم، فعليك أن تبذل كل ما بوسعك لتترك لهم وطنا يليق بتطلعاتهم، وطنا يرفعون فيه رؤوسهم بفخر واعتزاز.

وأنا إذ أكتب هذه الكلمات أنظر إلى ابني (عمر) الذي لم يبلغ بعد من العمر سوى ستة أشهر، وأرى فيه الأمل المتجدد. سأبذل كل ما أستطيع، وسأضحي بالغالي والنفيس، لأترك له وطنا مزدهرا، قويا، شامخا بين الأمم، وطنا مثل المملكة العربية السعودية، التي نعتز بها ونسعى جاهدين للحفاظ على عزتها ورفعتها تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير الملهم محمد بن سلمان - حفظهما الله -. وأنت يا عزيزي القارئ، إن كان لك أبناء أو أحفاد، ألا ترغب أن تترك لهم وطنا يرفعون به رؤوسهم؟ ألا تسعى إلى أن يكون إرثك لهم وطنا يفتخرون به في كل محفل، ويجدون فيه الأمن والاستقرار؟

ختاما، إن الوطن هو الثمرة التي نزرعها اليوم، ليجني أبناؤنا وأحفادنا ثمارها غدا.

فلنكن جميعا أوفياء لهذا الإرث العظيم، ولنحافظ عليه بكل ما أوتينا من قوة، ليظل وطننا المملكة العربية السعودية  ملاذ الأجيال وشعلة مضيئة في سماء المجد.

AbdullahAlhadia@

أخبار متعلقة :