جريدة جريدة وطني

التحيزات الشخصية

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التحيزات الشخصية, اليوم الاثنين 30 سبتمبر 2024 01:40 صباحاً

من الأمور التي تشد انتباهي أنه كلما قرأت وتباحثت حول أزمة حصلت لمنظمة ما أجد أن الأسباب تتعدد وتتكاثر وبمجرد طرح الأسئلة الخمسة التي تبدأ بكلمة لماذا وقد تمتد لأكثر من هذا الرقم، أجد فيها ملمحا عاما يجمع الأسباب الجذرية (Root Causes) في نطاق عريض واحد، وهي التحيزات الشخصية التي تنصبغ بالشكل المؤسسي.

في كتاب (Too Big to Fail) للمؤلف سوركين، والذي تم تحويله لفلم بالاسم نفسه، والذي يتناول الأزمة المالية العالمية في 2008 وأسبابها وتأثيراتها، وأنت تتمعن في القصص ستجد أثر التحيزات الشخصية أحد أهم أكبر الأسباب الجذرية لهذه الأزمة، شركة ليمان برذر (Lehman Brothers) كانت تصر على الولوج بكل قوة للاستثمار في الأصول الخطرة، رغم أن هناك إشارات (Triggers) واضحة لانهيار السوق، جي بي مورغان تشيس (JPMorgan Chase) وتحيزهم تجاه التنافس مع الشركات الكبرى قفز بهم بقرارات سريعة تجاوزوا فيه عمل الدراسات الدقيقة للمخاطر، البنك الأمريكي (Bank of America) وتحيزات بعض قادته المؤثرين من حيث الضغط الكبير لتحسين الأداء بشكل سريع والمتزامنة مع المكافآت الكبيرة التي كانوا سيحصلون عليها جعلتهم يذهبون إلى قرار الاستحواذ على شركة ميريل لينش (Merrill Lynch) التي كانت تمتلئ بالأصول السامة رغم وجود تحذيرات داخلية من الخبراء لديهم عن عدم صوابية هذا الاتجاه، وغيرها من الشركات المشتركة في هذه الأزمة تجد في ثنايا أجوبة أسئلة لماذا هي تحيزات شخصية للقادة أو أصحاب القرار اصطبغت بالشكل المؤسسي.

والحقيقة وبحكم الاختصاص وكلما قرأت في أزمة ما وذهبت انظر في أسبابها المباشرة أجدها كثيرة جدا وبمجرد الغوص في أعماقها أجد أني بدأت أتلمس الأسباب الجذرية التي يدور رحاها في أحد التحيزات الشخصية للفاعلين المؤثرين في الحدث.

أصبح لدي قناعة متراكمة مفادها بأن النضج المؤسسي لأي منظمة لا يمكن أن يكون نضجا إلا بوجود هيكليات وقوالب لصناعة القرار قائمة بشكل مؤسسي تضيق فيه دائرة التحيزات الشخصية قدر الإمكان، من الطبيعي جدا أن التحيزات الشخصية ستبقى ما بقيت الأعمال، ولكن مؤسسة تعمل بشكل استباقي (Proactive) وتضع نصب عينها تقليل مساحة التحيزات سواء في إجراءات صناعة القرار أو بناء دارسات تقييم الأثر والخطر أو عمليات التدقيق الداخلية والخارجية وغيرها من الإجراءات، هي التي تجعل من العمل المؤسسي مؤسسيا، وليست كتلك المؤسسات التي تتفاعل مع هذه الأمور بشكل تفاعلي (Reactive) بعد وقوع الأزمات.

من الملامح أيضا التي لها علاقة وطيدة بموضوع التحيزات الشخصية وهي النظرة الذاتية للأمور (Subjectivity) وهي الطريقة التي تؤثر بها التجارب الشخصية والمشاعر والآراء الفردية على فهم الأمور، وتفسير الأشياء والتي بالتأكيد ستجدها دائما وأبدا في يوميات الأعمال، سأعطي مثالين في دراسات تقييم المخاطر أو التدقيق الداخلي، ستجد حتما بأن التقييمات المرصودة ستختلف باختلاف الشخص الذي يقف خلف تلك الدراسة أو العمل، في هذا المثال على وجه التحديد أعتقد أنه لا يمكن الوصول للكمال وستبقى النظرة الذاتية موجودة بوجود الإنسان، ولكن إذا أرادت المنظمة أن تمضي في طريق الرشد والنضج سيكون لديها عمل مستمر ومتراكم تجاه منهجية التقييمات والمراجعة المستمرة عليها، من خلال بناء معايير التقييم ومراجعتها الدائمة وربطها بالجانب المرجعي والرقمي، فضلا عن منهجيات الشفافية وقوالب تلقي وجهات النظر المختلفة.

لا أريد المبالغة في الجزم بأن وراء كل أزمة تحيزا شخصيا، ولكن التراكمات والحوادث المتكررة غالبا ما تنبئنا بأن التاريخ يعيد نفسه بأن ستجد في الثنايا شيئا من عدم الاتزان والتحيزات الشخصية، والحلول تكمن في تضييق الخناق على هذه التحيزات بمزيد من تنمية الاستدامة في هيكليات صناعة القرارات والتقييمات المختلفة، والجانب الآخر زيادة الكثافة النوعية للوعي تجاه السلوكيات المنظمة الناضجة وتحييد التحيزات الشخصية قدر الاستطاعة.

fahdabdullahz@

أخبار متعلقة :