تحقيق: جيهان شعيب
تشهد الشوارع والطرق مخالفات مرورية، وتجاوزات بالجملة من بعض سائقي الدراجات النارية والهوائية، خصوصاً عمال توصيل الطلبات «الدليفري»، وتتعدد الشكاوى من ممارساتهم السلبية غير المسؤولة، والتي أصبحت تشكل خطورة على الطرق وتهدد حياة الجميع، مع مطالبات بوضع حلول سريعة لهذه الفئة، وفرض قوانين أكثر صرامة، وتوفير تدريب أفضل للسائقين، وتخصيص مسارات للدراجات، وحول ذلك جاءت أقوال فعاليات مجتمعية، وعدد من أفراد الجمهور.
أضحت المشاهد السلبية على الطرق من سائقي «الدليفري» شائعة ومؤسفة، ومحل شكوى، وتتمثل في القيادة المتهورة من الأغلبية، حيث يقودون دراجاتهم بطريقة غير آمنة، لعدم التزامهم بالسرعات المحددة، وأيضاً عدم التقيد حين الوقوف للضرورة، بالأماكن المخصصة لذلك، ما يعرقل حركة السير، ويتسبب في فوضى غير مقبولة.
وتتوالى هذه المخالفات من عدم مراعاة الضوابط المحددة من الجهات المرورية، حيث يقوم بعضهم بالتسابق، أو التباطؤ في السير، للحديث مع بعضهم بعضاً، كما حدث مؤخراً، حيث أظهر مقطع فيديو مشادة كلامية بين سائقي «دليفري»، أثناء سيرهما على الطريق، ما أدى إلى تصادمهما وسقوط أحدهما مصاباً وسط السيارات المارة.
وليس ذلك فقط، بل يتعمد بعض السائقين تخطي السيارات أثناء توقفها في الإشارات الضوئية، والالتفاف حولها أو الوقوف أمامها للانطلاق قبلها، علاوة على الضوضاء التي يحدثها بعضهم، والأصوات المزعجة للدراجات بالمناطق السكنية، خاصة خلال الفترة الليلية.
تحدٍّ ملحوظ
قال محمد حسن الظهوري، عضو المجلس الوطني الاتحادي، إن المجتمع بدأ في الفترة الأخيرة يواجه تحدياً ملحوظاً يتمثل في الإزعاج الذي تسببه الدراجات النارية بشكل عام، لاسيما المخصصة لتوصيل الطلبات، وهو ما أثار قلق العديد من المواطنين والمقيمين، خاصة أن هذه الدراجات، رغم دورها الحيوي في تسهيل وصول الخدمات والمنتجات إلى الأسر وتلبية متطلباتها بسرعة ويسر، إلا أنها تسبب الكثير من الضوضاء والازدحام، ما يؤثر سلباً في جودة حياة الأفراد، ويعرّض السلامة العامة للخطر.
وأضاف: «إننا على قناعة بأهمية التوازن بين السهولة في تقديم الخدمات، وبين الحفاظ على راحة وسلامة الأفراد، لذا ينبغي تطبيق قوانين صارمة على مستوى تنظيم عمل الدراجات النارية المستخدمة في التوصيل، ووضع معايير بيئية لتقليل الإزعاج، وتحديد أوقات لتوصيل الطلبات».
ولفت إلى ضرورة تعزيز وعي السائقين حول أهمية الالتزام بقوانين المرور، والتطلع إلى التعاون مع الأطراف المعنية كافة، لوضع حلول عملية ومبتكرة تسهم في توفير بيئة مرورية أكثر أماناً وراحة.
ثقافات مختلفة
قال أيمن عثمان الباروت، الأمين العام للبرلمان العربي للطفل، إنه رغم أن دراجات توصيل الطلبات تمثل عنصراً مهماً في الحياة اليومية، إلا أن ممارسات بعض سائقيها سلبية بشكل كبير، فمنهم من يقودون بتهور ويعرضون أنفسهم ومستخدمي الطريق للخطر.
ولفت إلى أن نسبة كبيرة من سائقي توصيل الطلبات لا يلتزمون بشروط الأمن والسلامة، لكونهم من ذوي التعليم المحدود، علاوة على انحدارهم من ثقافات مجتمعية مختلفة عن مجتمع الإمارات، لذا على الشركات والجهات المعنية، وضع شروط مشددة لتشغيل سائقي دراجات التوصيل، وتوعيتهم بلغات مختلفة، بضرورة الالتزام بقواعد السير، لاسيما التقيد بالسرعة المحددة، دون أن يضع الواحد منهم توصيل الطلبات أولوية على حساب أمن وسلامة قائدي المركبات والمشاة.
تعزيز الوعي
لفت عبد الرحمن محمد «مهندس»، إلى أن الإزعاج الذي تتسبب فيه دراجات توصيل الطلبات، خاصة في المناطق السكنية وعلى الطرق العامة، يعد من القضايا التي تشهد نقاشاً متزايداً في الدولة، بسبب تجاوزها السرعات المسموح بها، أو تجاهل بعضهم قواعد المرور، ما يعرّض حياة السائقين والمشاة للخطر.
وقال إن الإمارات وضعت قوانين صارمة لتنظيم استخدام الدراجات النارية والهوائية على الطرق، تضمنت تحديد السرعة المسموح بها، وإلزام السائقين بارتداء «الخوذ»، واتباع إشارات المرور، ومع ذلك، فبعض عمال توصيل الطلبات، لا يتقيدون بهذه القوانين، تحت ضغط الوقت والمسافة.
ولفت إلى ضرورة تعزيز الوعي لدى السائقين والمجتمع بمخاطر هذه التصرفات، وفرض غرامات صارمة على المخالفين، وزيادة الرقابة المرورية لضمان التزام الجميع بالقوانين، كما يجب التفكير في تخصيص مسارات خاصة للدراجات الهوائية والنارية.
حلول مقترحة
أكد مؤمن محمد فتحي «موظف»، أن دراجات توصيل الطلبات باتت جزءاً لا يتجزأ من حياة المدن الحديثة، حيث تسهم بشكل كبير في تسريع خدمات التوصيل، إلا أنه رافقتها مجموعة من المشاكل، أبرزها الإزعاج الذي تسببه في الأحياء السكنية، من جراء الضوضاء الناتجة عن محركاتها، خاصة في أوقات متأخرة من الليل، أو في الصباح الباكر، علاوة على السرعة الزائدة، بما يسهم في وقوع حوادث.
وقال إنه يجب تحديد أوقات لعمل دراجات التوصيل، بحيث تُمنع من العمل في أوقات الذروة المرورية، وتشجيع استخدام الدراجات الكهربائية كبديل للنارية التقليدية، حيث إنها أقل إزعاجاً وصديقة للبيئة.
ولفت إلى ضرورة تحديد مسارات خاصة لدراجات التوصيل، ما يقلل من تداخلها مع حركة المرور العامة ويقلل من الازدحام، وتوعية السائقين بأهمية احترام حقوق الآخرين على الطرق.
الجهل بالحقوق
نبه طارق سمير إسماعيل «موظف»، إلى أن عدداً من عمال توصيل الطلبات، يجهلون حقوق الآخرين أثناء القيادة، حيث يسيرون بطريقه تخيف المارة وقائدي المركبات، ما يؤدي إلى وقوع حوادث تصادم. وقال: «كم من ضحايا سقطوا نتيجة ذلك سواء من المارة، أو حتى سائق الدراجة نفسه، علاوة على استخدام بعض السائقين آلات التنبيه بشكل مبالغ فيه، ما يُحدث ضوضاء تزعج المارة، خاصة الأطفال والنساء، وكذا المرضي».
وأكد ضرورة اتباع السائقين تعليمات الأمن والمرور، وعلى أجهزة المرور تتبع وتعقب المخالفين، وعلى الجميع الاتصاف بالإيجابية في مساعدة أجهزة الأمن والشرطة في الإبلاغ عن مخالفي النظم الأمنية، كما يجب على دور العبادة التأكيد في الخطب على ضرورة احترام الجميع للنظام والقانون.
أسباب مختلفة
تحدث محمد الأمين سعد «موظف»، عن أن نشاط توصيل الطلبات أصبح أحد الأنشطة الرائجة، واعتمدت عليه العديد من شرائح المجتمع، وذلك لأسباب مختلفة، أهمها سهولة الحصول على الطعام والوجبات السريعة عند باب المنزل، وفي وقت سريع، وذلك بدلاً من توجه الشخص بنفسه أو بصحبة أفراد الأسرة إلى المطاعم.
وأضاف أنه من أسباب الاعتماد على «الدليفري» أيضاً، الاستفادة من العروض التي تقدمها بعض شركات التوصيل بأسعار أقل، حيث تستفيد من هامش رسوم الخدمة في المطاعم، التي تشجع بدورها هذه الشركات، كي تضمن تحقيق مبيعات أكثر.
وأكد أنه رغم أهمية خدمة توصيل الطلبات، تتزايد الشكاوى من تأثر حركة المرور بحشود الدراجات المستخدمة في توصيل الطلبات، والإرباك الذي تحدثه للسائقين، مع تعرض الكثيرين من سائقي هذه الدراجات للحوادث.
وطالب بتخصيص مسارات خاصة بالدراجات لا تعوق حركة المركبات، أو بتكثيف تدريب سائقيها على القيادة الصحيحة، وتشديد القواعد التي يتم بموجبها منح رخصة القيادة، إلى جانب اشتراط استخدام أنواع معينة من الدراجات القوية، والمزودة بوسائل حماية للسائق، والتأكد من التقيد بتدابير السلامة، مثل خوذة الرأس، والحذاء المناسب، وخلافه.
سلبيات وإيجابيات
عددت أميرة محمد هلال «معلمة»، إيجابيات وسلبيات دراجات توصيل الطلبات، وقالت إنها أصبح لها دور حيوي في سرعة توصيل الأطعمة والأدوية والبضائع المختلفة، ما يجعلها حلاً مريحاً، في حين أنها تعد أكثر خطورة من السيارات بسبب قلة الحماية المتوفرة للسائق، والضوضاء الشديدة.
واقترحت التحول لاستخدام دراجات كهربائية لأنها صديقة للبيئة، والحفاظ على الصيانة الدورية لدراجات التوصيل، وتوفير أنظمة أمان أكثر، بما يساعد السائق على تقليل الحوادث والإصابات، وإلزام السائقين بارتداء سترات عاكسة لأشعة الشمس نهاراً، وأخرى مضيئة ليلاً في الأماكن المفتوحة.
قواعد وضوابط
قال المحامي سعيد الطاهر، إن سائقي الدراجات النارية الذين يعملون لدى المطاعم، وشركات توصيل الطلبات، ظاهرة انتشرت بشكل كبيرة، وفي الآونة الأخيرة تشكل خطراً، تمثل في رعونة عدد من السائقين، بما يشكل خطراً على قائدي المركبات والمارة، علماً بأن القرار الوزاري رقم (130) لسنة 1997 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي رقم (21) لسنة 1995 في شأن السير والمرور، نظم حركة السير بالنسبة لتلك الفئة.
وورد بالمادة 16 من القرار، أنه يجب على قائدي الدراجات أن يلتزموا الجانب الأيمن لنهر الطريق، ويحظر عليهم السير فوق الرصيف، وعند وجود مسار مخصص لسير الدراجات، فيجب التزامه وعدم الخروج منه إلا للضرورة.
كما يجب على قائدي الدراجات أن يسيروا فرادى، الواحد خلف الآخر، ما لم تقتضِ الظروف غير ذلك، كما ورد في المادة (17) من ذات القرار، أنه يحظر على قائد الدراجة قيادتها دون الإمساك بمقودها.
الرأي الشرعي
أكد الشارع الحكيم، ضرورة الحفاظ على السلامة العامة، واحترام حقوق الآخرين، حيث ذلك من المبادئ الأساسية، فالإسلام يحث على عدم الإضرار بالناس في الطريق، أو التسبب في أي ضرر للآخرين، إذ يقول النبي محمد ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وهذا يشمل عدم تعريض الآخرين للخطر سواء كانوا من المشاة أو سائقي المركبات.
كما أن الحفاظ على النفس واجب، وإزعاج الآخرين بالدراجات النارية، أو قيادتها بطريقة تشكل خطورة، يتعارض مع هذا المبدأ.
أيضاً يحث الإسلام على وجوب مراعاة النظام والالتزام بالقوانين التي تنظم السير، وتحافظ على السلامة العامة، والتي وضعتها الدولة لتنظيم المرور، وتجنب تعريض الآخرين للأذى.
لذا فإن إزعاج الآخرين باستخدام الدراجات النارية، أو تعريض حياتهم للخطر يعد سلوكاً غير مقبول من الناحية الدينية، وهو من الأمور التي يجب تجنبها حرصاً على السلامة، واحتراماً للحقوق.
أخبار متعلقة :