جريدة جريدة وطني

السلامة في مكان العمل عبر نموذج التشغيل والصيانة الذكي

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السلامة في مكان العمل عبر نموذج التشغيل والصيانة الذكي, اليوم الأربعاء 16 أكتوبر 2024 02:29 مساءً

تخضع سلامة مكان العمل لتحوّلٍ عميقٍ في عالم اليوم القائم على تبادل البيانات. وتحتل التحليلات التنبؤية طليعة هذا التحوّل الكبير، وهي نهج رائد يستفيد من البيانات التاريخية للتنبؤ بالمخاطر المحتملة ومنعها. وبصفتنا قادة في هذا القطاع، يتعين علينا أن ندعم هذه النقلة التقنية لتعزيز التميز التشغيلي وحماية القوى العاملة.
كانت إدارة السلامة التقليدية في الماضي عملية قائمة على رد الفعل، حيث كانت تعالج الحوادث بعد وقوعها. لكن قلبت التحليلات التنبؤية اليوم هذا النهج رأساً على عقب، حيث أصبحت تقدم حلاً استباقياً يتوقع المخاطر قبل حدوثها. ويمكننا اليوم من خلال الاستفادة من البيانات من مصادر متنوعة، مثل أجهزة إنترنت الأشياء وأجهزة الاستشعار البيئية وردود أفعال الموظفين، تحديد الأنماط التي تشير إلى المخاطر الوشيكة. ويمثل هذا التحول من إدارة السلامة القائمة على رد الفعل إلى إدارة السلامة الاستباقية تغيراً جذرياً في كيفية تعاملنا مع سلامة مكان العمل في المملكة العربية السعودية.
لنتأمل هنا مشروع IMI في رأس الخير الذي يمتد على مساحة 12 مليون متر مربع ويضم أكثر من 500 مبنى، وهو مصمم لاستيعاب قوة عاملة تتجاوز 23,500 موظف. عندما تولت شركة "إنجي سوليوشنز" مسؤولية إدارة المرافق لهذا المشروع الضخم، أدركنا أن تدابير السلامة التقليدية لن تكون كافية في مثل هذه البيئة الشاسعة والمعقدة. فاستفدنا من منصة التشغيل والصيانة الذكية التي تستخدم تقنيات الكشف والتشخيص وخوارزميات الصيانة التنبؤية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لدعم نموذج التشغيل الصناعي وعروض الحلول الذكية الجديدة. وأصبح يمكننا من خلال تنفيذ التحليلات التنبؤية تحليل البيانات من مصادر مختلفة للتنبؤ بالمخاطر المحتملة. على سبيل المثال، من خلال مراقبة الظروف البيئية وأنشطة العمال في الوقت الفعلي، يمكننا التنبؤ بالأمراض المرتبطة بالحرارة ومنعها خلال أشهر الصيف الحارقة، والتي تُعدّ مصدر قلق بالغ الأهمية في مناخنا.
وتمتد فوائد تبني التحليلات التنبؤية إلى ما هو أبعد من خفض معدلات الحوادث، حيث تعزز بيئة العمل الأكثر أماناً الشعور بالأمان بين الموظفين وتنشر الروح المعنوية والإنتاجية، وهو أمر بالغ الأهمية في سعينا إلى تطوير قوة عاملة سعودية ذات مهارات عالية بما يتماشى مع أهداف السعودة. علاوةً على ذلك، غالباً ما تترجم سجلات السلامة المحسنة إلى انخفاض في أقساط التأمين وتكاليف تعويضات العمال، مما يؤثر بشكل مباشر على صافي الربح ويسهم في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي لرؤية السعودية 2030.
شهدت بنفسي من خلال خبرتي في قيادة مبادرات السلامة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، كيف يمكن للقرارات القائمة على البيانات أن تحوّل ثقافة مكان العمل. فعندما يرى الموظفون أن سلامتهم تحظى بالأولوية من خلال الوسائل المبتكرة، يعزز ذلك بدوره الثقة والمشاركة. ويُشكّل أيضاً حلقة مفرغة، يصبح العمال من خلالها أكثر استباقية في الإبلاغ عن المخاطر المحتملة، مما يزيد من إثراء مجموعة البيانات للنماذج التنبؤية.

فجر جديد في سلامة مكان العمل
في ظل تسارع وتيرة التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية، فإن دمج التحليلات التنبؤية مع التقنيات الناشئة يَعِدُ بتقدّم أكبر في مجال السلامة في مكان العمل، وهو ما يتماشى تماماً مع جهود المملكة العربية السعودية نحو تحقيق المزيد من الابتكار التقني. ويمكن للكاميرات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي اكتشاف عدم ارتداء معدات الحماية الشخصية بشكل صحيح أو أنظمة الواقع المعزز التي تعرض معلومات السلامة ضمن مجال رؤية العامل. وعند إقرانها مع التحليلات التنبؤية، يمكن لهذه التقنيات إحداث نقلة نوعية في كيفية تعاملنا مع السلامة في مكان العمل، وخاصةً في المشاريع واسعة النطاق مثل مشاريع القطاعات الصناعية المتنامية في المملكة العربية السعودية.
إضافة إلى ذلك، ستتيح الشبكات الحديثة مثل الجيل الخامس معالجة البيانات في الوقت الفعلي بسرعات غير مسبوقة، مما يسمح بإصدار تنبيهات وتدخلات فورية للمخاطر. وقد تكون هذه القدرة منقذة للحياة في القطاعات عالية المخاطر مثل البناء أو التصنيع أو النفط والغاز، والتي تُعدّ قطاعات بالغة الأهمية للاقتصاد السعودي. وبصفتنا قادة في هذا المجال، يتعين علينا أن نواكب هذه التطورات وأن نكون على أتم استعداد لدمجها في استراتيجياتنا الأمنية.
يعتبر الانتقال نحو التحليلات التنبؤية في إدارة السلامة ترقية تقنية طريقة جديدة أيضاً لتصوّر طرق حماية القوى العاملة لدينا. ويتطلب ذلك التزاماً من جانب الفريق الإداري بتعزيز ثقافة السلامة القائمة على البيانات والاستثمار في الأدوات والتدريب اللازمين. ويجب أن يكون هذا الالتزام ثابتاً وطويل الأمد، حيث قد يستغرق تحقيق الفوائد الكاملة للتحليلات التنبؤية بعض الوقت.
ونقف اليوم على أعتاب عصر جديد في مجال سلامة مكان العمل، لذا أدعو زملائي من قادة القطاع إلى تبني التحليلات التنبؤية. فلنتجاوز التدابير القائمة على رد الفعل ولننشئ بيئات يمكن توقع المخاطر وتحييدها فيها قبل أن تتسبب في أي ضرر. وبذلك، سنتمكن من حماية أصولنا الأكثر قيمة وهم موظفينا، وسنضع أيضاً شركاتنا في طليعة الابتكار والتميّز التشغيلي. وينطبق ذلك بشكل خاص على المملكة العربية السعودية، حيث تعمل المشاريع الطموحة والنمو الصناعي إلى جانب الابتكارات التقنية على دفع معايير جديدة في مجال السلامة في مكان العمل.

* المدير العام لشركة إنجي سوليوشنز في المملكة العربية السعودية

أخبار متعلقة :