«الخليج» - متابعات
إعداد ـ محمد كمال
ر بما كان من السهل على خبير التكنولوجيا الشاب إيليا ليشتنشتاين تنفيذ أكبر سرقة في تاريخ عملات البيتكوين عندما اخترق منصة Bitfinex ثم قام بتحويل 120 ألف عملة بيتكوين إلى محفظة تشفير خاصة، لكن العملية الأكثر احترافية والتي تمثلت في تصريف ما قيمته أكثر من 10 مليارات دولار من العملات، على مدى خمسة أعوام، وصفتها مصلحة الضرائب الأمريكية بأنها أكثر تقنيات غسل الأموال تعقيداً التي رأوها حتى الآن.
التفاصيل المذهلة الجديدة، تزامن كشفها مع حكم بالسجن خمسة أعوام والصادر من محكمة أمريكية بحق ليشتنشتاين، سلط الضوء مجدداً على القضية التي أحدثت هزة في سوق العملات الرقمية، والتي تعود بداياتها إلى عام 2016، حيث أعد الخبير التقني بمساعدة زوجته مخططاً تمكن من خلاله خداع أعتى الأجهزة الرقابية، وهو ما دفع المحكمة في النهاية إلى القول إن ذلك لم يكن مجرد عمل متهور، ولكن خطة شديدة الدقة والاحترافية.
الندم
ورغم حالة الندم التي أبداها ليشتنشتاين المعتقل منذ فبراير/شباط 2022، فور صدور الحكم عليه، فقد عبر عن آماله في أن يشارك فور إنهاء محكوميته في مكافحة الجرائم الإلكترونية، قائلاً إنه «نادم على إهدار مواهبه في الجريمة بدلاً من المساهمة الإيجابية في المجتمع»، كما ناشد القاضي بأن يعفو عن زوجته هيذر ريانون مورغان المنتظر صدور حكم بحقها، حيث ألقى باللوم على نفسه في تورطها.
بدأت قضية «أكبر سرقات البيتكوين» في التاريخ، في أغسطس عام 2016، عندما اخترق ليشتنشتاين، البالغ 35 عاماً، شبكة بورصة العملات المشفرة Bitfinex ومقرها هونغ كونغ. وباستخدام أدوات القرصنة المتطورة، بدأ أكثر من 2000 معاملة غير مصرح بها، وقام بتحويل حوالي 120000 عملة بيتكوين إلى محفظة تشفير شخصية. وفي وقت الاختراق، بلغت قيمة عملات البيتكوين المسروقة 71 مليون دولار. ولكن نظراً لارتفاع سعر البيتكوين على مر السنين، فقد تضخم هذا المبلغ إلى 10.5 مليار دولار حالياً، وفقاً لصحيفة فوربس.
أما زوجته هيذر مورغان، المعروفة أيضاً باسمها المستعار Razzlekhan، فقد كشفت أوراق القضية أنها لم تكن على علم في البداية بالاختراق، لكنها أصبحت فيما بعد شريكاً حاسماً، حيث انطلق الزوجان في رحلة استمرت سنوات لغسل الأموال.
العملية الأكثر تعقيداً
بعد أشهر من الاختراق، بدأ ليشتنشتاين ومورغان مخططاً متقناً لإخفاء أصل عملات البيتكوين المسروقة. حيث قام الزوجان بنقل الأموال من خلال حسابات عديدة، مستخدمين هويات مزيفة وتقسيم المعاملات إلى مبالغ أصغر لتجنب اكتشافها. حيث استخدما العديد من بورصات العملات المشفرة، وأسواق الشبكة المظلمة، والذهب، وبطاقات هدايا Walmart لغسل الأموال.
وتوصلت السلطات الأمريكية إلى أن الزوجين قاما بنقل الأموال سراً إلى حسابات خارج الولايات المتحدة، بل إن الزوجة جندت عملاء لنقل الأموال النقدية، وكذلك تم تسجيل معاملات ملحوظة خلال الرحلات العائلية إلى كازاخستان وأوكرانيا، حيث تم تسليم أموال لإدخالها إلى الولايات المتحدة.
فور اكتشاف الأمر، ذكرت منصة بيتفينكس، أن السرقة كانت تمثل ما يقرب من 36% من أصولها في ذلك الوقت، ما «دمر» الموارد المالية للشركة وتطلب اتخاذ إجراءات فورية لاستيعاب الخسارة وحماية العملاء.
وظلت السرقة تحت الرادار حتى فبراير 2022، عندما ألقت السلطات القبض على الزوجين في شقتهما في مدينة نيويورك. وأثناء الاعتقال، أعلنت نائبة المدعي العام أن الأجهزة المختصة تمكنت من استعادة أكثر من 94000 عملة بيتكوين، بقيمة تزيد على 3.6 مليار دولار في ذلك الوقت، وهو انتصار مدوٍ في تاريخ وزارة العدل الأمريكية.
اعتراف
اعترف ليشتنشتاين بالذنب في أغسطس 2023 في تهمة التآمر لارتكاب غسل أموال، وحكم عليه في النهاية بالسجن لمدة خمس سنوات. وبالإضافة إلى عقوبة السجن، حُكم عليه بقضاء ثلاث سنوات من الإفراج تحت الإشراف. بينما وصف ممثلو الادعاء الزوجة مورغان، بأنها «مشارك من المستوى الأدنى»، حيث تورطت بعد ثلاث سنوات من الاختراق. وقد أوصت الحكومة بسجنها 18 شهراً، ومن المنتظر صدور حكم بحقها بعد ثلاثة أيام.
من هما الزوجان؟
وليشتنشتاين، روسي المولد، لكنه يحمل الجنسية الأمريكية ونشأ في إحدى ضواحي شيكاغو، وبرع في مجال تقنية الكمبيوتر، وكان يعيش مع زوجته في مدينة نيويورك عندما تم القبض عليهما في فبراير 2022. أما وقت تنفيذ الاختراق فكانا يعيشان في سان فرانسيسكو.
وعن مورغان، فهي كاتبة قامت بأداء أغان موسيقية تحت الاسم المستعار «Razzlekhan»، حيث تبنت شخصيتها الخاصة في موسيقى الهيب هوب، وروجت لعملها علناً وعاشت حياة عادية على ما يبدو، بينما كانت تساعد في عمليات غسل الأموال.
مصير العملات المستردة
تعد بيتكوين أكبر وأقدم عملة مشفرة، وهي أموال رقمية، ويتم تسجيل المعاملات باستخدام تقنية تسمى blockchain.
وبفضل تعاون ليشتنشتاين بعد اعتقاله، تمكنت السلطات الأمريكية من استرداد ما يقرب من 96% من الأموال المسروقة، والتي من المرجح أن تُعاد إلى بيتفينكس وغيرها من المطالبين المحتملين.
ويبدو أن مساهمات ليشتنشتاين امتدت إلى ما هو أبعد من هذه القضية؛ فقد قدم معلومات مهمة في التحقيقات ذات الصلة، حتى أنه أدلى بشهادته في محاكمة شملت Bitcoin Fog، وهي خدمة خلط تستخدم للتعتيم على معاملات العملة المشفرة.
أخبار متعلقة :