قراءة في كتاب «لأجل الشعب».. بين التمثيل العادل وهيمنة النخب

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تواجه الديمقراطية في أمريكا تحديات جوهرية تتعلق بالتمثيل العادل وصوت الأغلبية، إذ تبرز هيمنة النخب السياسية والاقتصادية كعائق أمام تحقيق هذا التمثيل، ما يثير تساؤلات حول فعالية النظام التمثيلي في الاستجابة لاحتياجات المواطنين العاديين، وما إذا كان يمثل حقاً الإرادة الشعبية أم أنه يخدم مصالح الفئات المتنفذة.
يتناول كتاب «لأجل الشعب.. التمثيل الديمقراطي في أمريكا» تأليف تشارلز ر. بيتس وتحرير هنري إي. برادي، موضوع الفشل الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية. يستعرض هذا الكتاب الصادر حديثاً عن مطبعة جامعة أكسفورد في 248 صفحة، المحاضرات التي ألقاها بيتس في سلسلة محاضرات «بيركلي تانر» 2022، التي تعمقت في أوجه القصور التي تعانيها الديمقراطية التمثيلية في أمريكا، والمخاطر التي تواجهها نتيجة انحرافها عن المبادئ الأساسية للتمثيل العادل والفعال.
يقدم بيتس في الكتاب رؤية تحليلية تجمع بين علم السياسة والنظرية الديمقراطية، حيث يعرض أدلة ملموسة حول أزمة الديمقراطية في الولايات المتحدة، مشيراً إلى مظاهر التصدع، مثل الاستقطاب الشديد بين النخب، وتأثير المال السياسي، وتقسيم الدوائر الانتخابية بشكل منحاز، إلى جانب تراجع دور المؤسسات الحزبية. يرى بيتس أن هذه العوامل، مجتمعةً مع التفاوت الاقتصادي المتزايد، تقوض المنافسة السياسية السليمة وتحرم المواطن الأمريكي من حقه في تمثيل حقيقي. كما يعرض كيف أن التشريعات غالباً ما تميل لمصلحة النخب على حساب الأغلبية، ما يعمّق الشعور بالإحباط الشعبي تجاه نظام التمثيل الحالي.
فـــــي المحاضـــرة الأولى بعنوان «تلميحات إلى الفشل»، يبدأ بيتس بتقديم عرض مفصل للأدبيات العلمية التي توضح أعراض الخلل في النظام الديمقراطي الأمريكي. يتساءل هنا عما إذا كانت هذه الأعراض تشكل بالفعل إخفاقاً، وعن المعايير التي يمكن اعتمادها لتحديد مدى التزام النظام مبادئ التمثيل الديمقراطي. ويطرح بيتس سؤالاً مركزياً حول طبيعة الديمقراطية التمثيلية الناجحة: ما هي القيم والمعايير التي يجب أن ترتكز عليها؟ وما هي سبل تحقيقها في سياق سياسي تسيطر عليه مصالح اقتصادية ونخبوية ضيقة؟ يقدم بيتس هذه التساؤلات كمقدمة لإطار نظري يمكن من خلاله تقييم فشل الديمقراطية في الولايات المتحدة.
في المحاضرة الثانية بعنوان «تنظيم المنافسة»، يناقش بيتس دور المنافسة في السياسة الديمقراطية، وكيف يمكن للنظام الديمقراطي تحقيق التمثيل العادل من خلال قواعد تضمن التنافس النزيه بين المرشحين والأحزاب. يعرض بيتس مفهوم المنافسة كعامل جوهري يعزز الاستجابة لمطالب الشعب ويحمي الديمقراطية من الاستبداد. يتناول أيضاً مسألة التمويل السياسي وكيفية تأثيره على شفافية النظام، مؤكداً أن المنافسة لا تكون فعالة إلا إذا خضعت لضوابط تضمن عدم انحرافها لمصلحة النخب والمصالح الخاصة.
في قسم التعليقات، يقدم الكتاب وجهات نظر متنوعة من خبراء بارزين، حيث يضيف كل منهم تحليلاً نقدياً خاصاً يعمق النقاش حول أطروحات بيتس. يسهم مارتن جيلينز في النقاش من خلال بحثه في علاقة التفضيلات الشعبية مع السياسات الحكومية، مشيراً إلى الاختلاف الكبير بين رغبات المواطنين العاديين والقرارات التي يتخذها السياسيون. وتسهم جين مانسبريدج برؤية تستعرض النظام الديمقراطي من منظور «النظرية الطارئة للمنافسة». أما باميلا كارلان، فتناقش فكرة الديمقراطية غير التمثيلية في أمريكا، حيث تتناول قضية عدم تمثيل شرائح كبيرة من الشعب بشكل حقيقي في صنع القرار.
يوضّح بيتس في قسم الرد على التعليقات، وجهات نظره حول العلاقة بين التفضيلات الشعبية والسياسات، ومسألة الشرعية الديمقراطية.
يقدم بيتس من خلال هذا العمل دراسة متكاملة لأبرز مشكلات الديمقراطية المعاصرة، ويطرح أسئلة حول مستقبل الديمقراطية ا، مؤكداً أهمية البحث في جذور الخلل والتحديات التي تواجه الديمقراطية الأمريكية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق