جريدة جريدة وطني

الحرب الإلكترونية تهدد الرحلات الجوية.. و«جي بي إس» وسيلة خداع الطيارين

إعداد ـ محمد كمال
نوع من الحرب الإلكترونية أصبح يشكل مخاوف لشركات الطيران المدني والطيارين؛ إذ كشف طيارون عن تعرض مئات الرحلات الجوية اليومية حول العالم لخداع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، ما يشكل مخاطر محتملة تستوجب تحديث أنظمة السلامة الجوية العالمية. خاصة أن مثل هذه الإشارات الزائفة لم تعد تقتصر على مناطق الحرب سواء في روسيا وأوكرانيا أو إسرائيل؛ بل امتدت لمناطق لا تشهد صراعاً.
ويروي طيار الخطوط الجوية الأمريكية دان كاري أنه أثناء قيادته لإحدى الرحلات الجوية في شهر مارس/آذار الماضي، وأثناء مرور الطائرة وهي من طراز 777 فوق إحدى الدول، خدعته معدات قمرة القيادة عندما انطلق منها تنبيه يقول «اسحب لأعلى!»، على الرغم من أنها كانت تحلق على ارتفاع 32 ألف قدم، وهو أعلى بكثير من أي تضاريس.
وتبين أن هذا التحذير كاذب، لكن كاري أوضح كيف أن الإشارات الزائفة التي تستخدمها الجيوش لدرء الطائرات بدون طيار والصواريخ تتغلغل أيضاً في أعداد متزايدة من الطائرات التجارية، بما في ذلك بعض الرحلات الدولية لشركات الطيران. كما يرى أن هذا التحذير نشأ من نوع من الحرب الإلكترونية التي يواجهها مئات الطيارين المدنيين كل يوم، والمتمثل في خداع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
ويضيف كاري: «لقد كان الأمر مقلقاً، وفي حالة حدوث عطل في المحرك أو حدوث حالة طوارئ أخرى أثناء الرحلة في نفس الوقت، فإن الوضع قد يكون خطِراً للغاية، وفقاً صحيفة «وول ستريت جورنال».
ويؤكد الطيارون ومسؤولو صناعة الطيران، أن الإشارات المزيفة لنظام تحديد المواقع العالمي، أصبحت تنتشر خارج مناطق الصراع النشطة بالقرب من أوكرانيا والشرق الأوسط، ما يربك أنظمة الملاحة والسلامة في قمرة القيادة ويلفت انتباه الطيارين في الطائرات التجارية التي تحمل الركاب والبضائع.
وقائع فعلية
وقال طيارون وخبراء طيران إن الهجمات بدأت تؤثر في عدد كبير من الرحلات الجوية التجارية قبل نحو عام. وارتفع عدد الرحلات الجوية المتأثرة يومياً من بضع عشرات في فبراير/شباط، إلى أكثر من 1100 رحلة في أغسطس/آب، وفقاً لتحليلات أجرتها شركة SkAI Data Services وجامعة زيورخ للعلوم التطبيقية.
ويرى خبراء الطيران، أن اعتماد الطائرات الحديثة بشكل كبير على نظام (GPS) يعني أن البيانات المزيفة يمكن أن تتدفق عبر أنظمة قمرة القيادة، ما يؤدي إلى حدوث خلل يستمر لبضع دقائق أو رحلة كاملة. وعلى سبيل المثال، فقد أبلغ طيارون عن إعادة ضبط الساعات إلى أوقات سابقة، وتحذيرات كاذبة ومسارات طيران خاطئة، وفقاً لتقارير تمت مشاركتها مع مجموعات حكومية وصناعية.
وتشير منظمة OpsGroup لسلامة الطيران إلى وقوع مجموعة متنوعة من الهجمات عبر مناطق مختلفة؛ إذ كادت إشارة GPS مزيفة أن ترسل طائرة خاصة أمريكية من طراز إمبراير إلى إيران دون تصريح، في سبتمبر 2023، وهو توجيه خاطئ كان من الممكن أن يسبب مشكلة كبيرة.
وأبلغت طائرة A320 غادرت قبرص في يوليو/تموز عن «تحول خطِر في الخريطة» في قمرة القيادة وفشل نظام ملاحي منفصل. كما ألغت طائرة بوينج 787 في الشهر نفسه هبوطين، أحدهما على ارتفاع 50 قدماً فوق سطح الأرض، بعد أن أدى فقدان إشارة نظام GPS إلى سلسلة من مشكلات أنظمة الهبوط.
وتشير إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية إلى أنها لم تكن على علم بأي أحداث اختراق في الولايات المتحدة، على الرغم من أن مسؤولي الصناعة والحكومة، قالوا إن هناك تقارير متفرقة في السنوات الأخيرة عن «انتحال محتمل» أو أنواع أخرى من تداخل نظام GPS التي يمكن أن تسبب اضطرابات مماثلة.
وفي أكتوبر 2022، أدى تداخل نظام GPS إلى تعطيل الحركة الجوية في مطار دالاس فورت وورث الدولي. حيث خرجت بعض الطائرات عن مسارها، واقتربت إحداها كثيراً من طائرة أخرى قرب نقطة التوقف. وهو ما يمثل انتهاكاً بسيطاً لمسافة الأمان بين الطائرات. وهو ما دفع الطيارون إلى الاعتماد على أنظمة الملاحة التقليدية لمدة يومين تقريباً. بينما قالت إدارة الطيران الفيدرالية في وقت سابق من هذا العام إنها لم تجد أي دليل على التدخل المتعمد وتواصل فحص السبب.
ويؤكد فلوريان جيلرميت، المدير التنفيذي لوكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي، أن خداع نظام تحديد المواقع العالمي عطل عمليات في أوروبا، لكنه لم يعرض الرحلات الجوية للخطر. واضطر الطيارون إلى التحول إلى المطارات التي لم يكونوا يعتزمون الهبوط فيها، وفي وقت سابق من هذا العام، أوقفت شركة طيران عملياتها مؤقتاً في أحد المطارات، لأنه لم يكن مجهزاً بالملاحة الأرضية كنسخة احتياطية لنظام GPS. وقال جيلرميت إن «الخطر يتزايد من حيث عدد الحوادث».
ويدرس مسؤولو الصناعة والحكومة كيفية معالجة المخاطر المباشرة. حيث تناقش شركات الطيران الأمريكية بما في ذلك يونايتد إيرلاينز وأمريكان إيرلاينز، إجراءات جديدة من شأنها أن تسمح للطيارين بإعادة ضبط دوائر قمرة القيادة عند مواجهة بيانات زائفة من GPS.
الحلول
مسؤولو سلامة الطيران، قالوا إن المعلومات الزائفة أدت إلى تعطيل بعض الرحلات الجوية، لكنها لم تشكل مخاطر كبيرة على السلامة. وفي حين يتم تدريب الطيارين على كيفية استخدام أنظمة الملاحة التي لا تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) كنسخة احتياطية، فإن إدارة إشارات وتنبيهات نظام GPS الزائفة تخاطر بتشتت انتباه الطيارين في حالة حدوث مشكلة أكثر خطورة.
ويقول كبير علماء الملاحة عبر الأقمار الصناعية في إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية كين ألكسندر: «إذا فقدنا طائرة بسبب هذه المشكلات التي نواجهها، إضافة إلى حالة الطوارئ، فسيكون ذلك حدثاً مروعاً».
وتجتمع شركات الطيران مع صانعي الطائرات والموردين والجهات التنظيمية المعنية بالسلامة الجوية لتطوير حلول قصيرة المدى وإصلاحات طويلة المدى، في الوقت الذي تكشف تقارير عن أنه لن يتم إصدار معايير المعدات المصممة لتعزيز الطائرات المدنية ضد التنبيهات الزائفة حتى العام المقبل على أقرب تقدير.
وراهناً، يتلقى الطيارون إحاطات تمهيدية حول كيفية تحديد «التنبيه الزائف والتعامل معه»، والذي قد يتضمن في بعض الأحيان إيقاف تشغيل ميزات معينة، أو تجاهل «السحب لأعلى» الخاطئ! أو أوامر من نظام السلامة تتعلق بتجنب حوادث الاصطدام، وغيرها.
ويؤكد الباحثون، أن حجم إشارات جي بي إس المزيفة ارتفع خلال الأشهر الستة الماضية، ويقول تود همفريز، أستاذ هندسة الطيران في جامعة تكساس الأمريكية إن معظم «هجمات الانتحال» تأتي من أجهزة إرسال الحرب الإلكترونية القوية في روسيا وأوكرانيا وإسرائيل. كما يمكن للأجهزة المحمولة أيضاً محاكاة إشارات نظام GPS في منطقة أصغر.
ويبدو أن الرحلات الجوية المدنية لم تكن أهدافاً، على الرغم من أن هذا لا يريح الطيارين الذين يسافرون عبر بعض الممرات الجوية الأكثر ازدحاماً في العالم.
ويؤكد همفريز نقلاً عن تقارير الطيارين أنهم يقومون «بواجب مزدوج» في قمرة القيادة.
وأوضح أنه يتعين على صناعة الطيران والجهات التنظيمية تسريع العمل لتقوية الطائرات ضد التنبيهات الزائفة قبل وقوع أي حادث،. وقال: «هذا أمر محرج لصناعة الطيران وشركات النقل وإدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية».

ـ علامة البيانات الزائفة ـ
ويمكن للطيارين رؤية علامات انتحال نظام GPS على أجهزة مختلفة في العديد من الطائرات. وتتردد شركات الطيران والجهات التنظيمية بشكل عام في السماح للطيارين بإعادة ضبط الأنظمة بطريقة ما، لكونها خطوة قد تتطلب منهم الوقوف أو التعرض لمخاطر أخرى مثل المشكلات الكهربائية. وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن شركة بوينغ لم تؤيد هذا الإجراء على طائراتها من طراز 777.
وقالت بوينغ إن الشركات المصنعة وشركات النقل والجهات التنظيمية على مستوى العالم تسهم بأبحاثها حول نظام GPS لإيجاد حلول لضمان السلامة. وقالت شركتا بوينغ وإيرباص إنهما تعملان مع شركات الطيران للمساعدة على تطوير إجراءات لمساعدة الطيارين.
ويحث مسؤولو الصناعة الطيارين على الالتزام بإجراءات الشركات المصنعة والمنظمين، نظراً لغياب التوجيه الموحد. وقال أندي أوريبي، خبير أمن الطيران في نقابة طياري الخطوط الجوية الأمريكية، خلال حلقة نقاشية: «لا نريد اتباع نهج موحد؛ بل افعل ذلك بنفسك».
وقال الطيار الأمريكي كريستوفر بهنام، إنه كثيراً ما واجه تداخلات في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أثناء الطيران في الشرق الأوسط. وأضاف بهنام: «لقد تم تدريبنا على هذه الأشياء، لذلك عليك أن تظل هادئاً واتبع الإجراء فقط». ومع ذلك، قال إنه عندما يعتمد الطيارون على نظام GPS للهبوط في ظروف الرؤية المنخفضة، فإن الانتحال «قد يصبح مثيراً للقلق للغاية».

أخبار متعلقة :