جريدة جريدة وطني

معركة تبادل الاتهامات.. خطايا في «الصندوق الأسود» لحملة بايدن وهاريس

إعداد ـ محمد كمال
ثمة قناعات داخل معسكر الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة بعدم وجود أي قرار استراتيجي كان قادراً على التاثير في ما آلت إليه نتيجة الانتخابات الرئاسية التي انتهت بالهزيمة القاسية لمرشحة الحزب كامالا هاريس، لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وهو ما يدل على الأزمة العميقة التي تشهدها إدارة الرئيس جو بايدن على مدار أربع سنوات، بينما تتعالي الاتهامات المتبادلة بشأن المسؤولية عن الهزيمة، وما احتواه «الصندوق الأسود من خطايا»، على حد تعبير نخب ديمقراطية.
وفي ظل الأداء الكارثي نوعاً ما، فإن الخبير الاستراتيجي الديمقراطي جيسي فيرجسون، حاول تلخيص الأزمة بعبارة مفادها أن «الديمقراطيين يواجهون مشكلة تتعلق بالعلامة التجارية ولا يمكن التغلب عليها من خلال تبديل المنتج»، مضيفاً: «لقد قمنا بعمل جيد في تسويق المنتجات، لكن مشاكل العلامة التجارية لا تزال قائمة عندما يعتقد الناس أن البلاد تسير على المسار الخاطئ ويشعرون برياح التضخم المعاكسة.. والمسألة ببساطة أن بايدن وهاريس حوالا إحراز هدف وهم يقفون بعيداً جداً عن المرمى».
وفي الوقت الذي يحمّل مقربون من نائبة الرئيس هاريس الهزيمة في المقام الأول لبايدن، فقد كشفت مصادر مطلعة كواليس ما جرى خلال الحملة الانتخابية قبل انسحاب الرئيس الأمريكي وبعده، حيث عمت حالة من التخبط وعدم التنسيق، بل جرى اتخاذ بعض القرارات بشكل مفاجئ ودون تنسيق وفي تكتم شديد، ما يعبر عن عدم الثقة المتبادلة بين مستشاري الرئيس ونائبته.


ـ الدائرة المنعزلة ـ 
وتكشف المصادر داخل المعسكر الديمقراطي أنه عندما كان بايدن هو المرشح، أحاط نفسه بدائرة منعزلة من مساعديه القدامى، مما أثار في كثير من الأحيان شكاوى حول كون حملته عبارة عن صندوق أسود، كما قام برفض مقابلة منظمي استطلاعات الرأي، وشاهد العديد من المشاركين في حملته الإعلانات في نفس الوقت مع الجمهور، ويكشف أحد المطلعين على الحملة لصحيفة واشنطن بوست أنه: «لم تكن هناك أي محادثة استراتيجية حقيقية على الإطلاق».
وعندما حلت النائبة هاريس محل بايدن في يوليو/تموز، انقلبت الديناميكية، حيث أصر رئيس الحملة جين أومالي ديلون على أن يكون له دور أكبر في العملية، وعلى مدار عدة أسابيع عقد ثلاثة اجتماعات عبر تطبيق Zoom لوضع استراتيجية حول كيفية التعريف السلبي للمنافس دونالد ترامب، لكن العملية، التي ضمت العشرات من مسؤولي الحملة، كانت غير مجدية تماماً وواجهت صعوبة في التركيز على رسالة محددة، فيما تمثلت المشاركات حول استخدام عبارات بعينها مثل «رئاسة محفوفة بالمخاطر» أو استخدام كلمة «خطر».
ويؤكد استراتيجيون أنه بغض النظر عمن كان يدير العرض، فإن الحزب الديمقراطي هو الذي ضاع في هذه العملية، حيث كان الشعب الأمريكي واضحاً وضوح الشمس لعدة أشهر، بشأن مطالبه حول ارتفاع معدلات التضخم والأسعار، وقد عبرت استطلاعات الرأي مراراً عن اعتقاد الأمريكيين أن الولايات المتحدة تسير في اتجاه خاطئ تحت إدارة بايدن، حيث كانوا يطالبون بمسار جديد لم يعرف الديمقراطيون قط كيفية تقديمه.
ويتوقع الديمقراطيون أن يقوم الحزب والمانحون والمجموعات المرتبطة في نهاية المطاف بإجراء تقارير «تشريح الجثة» لفهم كيفية انحراف السباق، وقالت دونا برازيل، حليفة هاريس والرئيسة السابقة للجنة الوطنية الديمقراطية: «إن الخطوة التالية هي التأمل العميق»، مضيفة إنه يجب أن تكون هناك دراسة لمعرفة الخطأ الذي حدث قبل أن يقرر الحزب الخطوات التالية ومن يجب أن يقودها، وقالت: «لا يمكنك توهم القفز من حصان إلى آخر بينما أنت تركب حماراً في الأساس».
ويرى مراقبون أن هناك إجماعاً بالفعل على أن الحزب فشل في فهم الناخب العادي ومخاوفه - وركز كثيراً على ترامب، وفقاً لمقابلات مع أكثر من عشرين من مساعدي الحملة والمستشارين والاستراتيجيين وغيرهم.
ـ الخطيئة الأصلية ـ 
وكما هو الحال مع أي حملة خاسرة، فقد بدأت بالفعل توجيه أصابع الاتهام، وينظر العديد من الديمقراطيين إلى «الخطيئة الأصلية» باعتبارها قرار بايدن الترشح لولاية ثانية، ثم قراره ودائرته الداخلية المنعزلة بإقالة أي شخص أثار مخاوف بشأن آفاقه السياسية المتضائلة. وقال أحد مساعدي هاريس: «جو بايدن هو السبب الأول والثاني والثالث وراء خسارتنا»، مشيراً إلى أنه كان «غارقاً تحت الماء تماماً» في استطلاعات الرأي عندما حلت هاريس محله.
لكن بعض الموالين لبايدن أخذوا في انتقاد النخب السابقة في عهد أوباما، الذين يقولون إنهم أول من هاجم بايدن من الخارج مما أعاق ترشيحه، ثم انضموا إلى حملة هاريس وقدموا أنفسهم كمنقذين، مسلحين ببيانات جيدة ولكن بفهم ضعيف للسياسة الأمريكية، بينما لا يزال آخرون يلقون بعض اللوم على مدير الحملة أومالي ديلون، الذي يقولون إنه كان مديراً صغيراً وفشل فريقه في كسب تأييد الناخبين بشأن القضايا التي تهمهم أكثر من غيرها، مثل الهجرة والاقتصاد.
كما انزعج بعض حلفاء هاريس عندما بدا أن ديلون يحاول المشاركة في الجهود الانتقالية. وشكك أحد مساعدي الحملة في ذلك، قائلاً: إن أومالي ديلون ناقش فقط التنسيق الضروري بين الحملة والفرق الانتقالية.
ويقول كريس كوفينيس، الممثل السابق في هوليوود: «الأمر بسيط للغاية: إذا حاولت الفوز في الانتخابات من خلال التحدث إلى النخب في هذا البلد، فسوف تتعرض للضرب، فليس هناك ما يكفي من قوة لدى بيونسيه أو أوبرا أو نخب هوليوود للدفع بانتخاب المرشح للرئاسة». 
لكن الجنرال لسين. جو مانشين تعمنق في النقد أكثر، وقال «العطب تمثل في النخب السياسية والثقافية والاقتصادية التي تستمر في إخبار الجمهور بما يجب أن يفكروا فيه ويشعروا به ويؤمنوا به، لكن الجمهور رد عليهم بعنف قائلاً: اذهبوا إلى الجحيم».


ـ حالة الفوضى ـ 
وعلى نطاق أوسع، ينظر العديد من الديمقراطيين إلى هزيمتهم، مع نجاح ترامب في كسب تأييد اللاتينيين، والأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ليس فقط باعتبارها سلسلة من الأخطاء التكتيكية في الحملة الانتخابية، بل كدليل على حالة من الفوضى داخل المعسكر الديمقراطي. 
وقال جيف بولوك، أحد منظمي استطلاعات حملة بايدن وهاريس: «من الواضح أن هذا حساب كبير للحزب الديمقراطي في ما يتعلق بالشباب والناخبين السود والأسبان والناخبين الريفيين»، حيث رأى هؤلاء أن الحزب الديمقراطي لا يرى احتياجاتهم اليومية، وهذا شيء يجب التفكير فيه بشكل كلي.. هذا ليس شيئاً يخص كامالا هاريس إنها مشكلة أكبر».
ويقول آدم جينتلسون، استراتيجي ديمقراطي: «إن قطاعات كبيرة من الديمقراطيين أصبحت مشغولة بالمصالح الضيقة لنشطاء النخبة من خريجي الجامعات أكثر من العاملين العاديين»، وعلى سبيل المثال فقد دعت هاريس لاستخدام أموال الضرائب لإجراء عمليات جراحية تؤكد النوع الاجتماعي للسجناء الفيدراليين والمهاجرين المحتجزين، وهو ما استغلته حملة ترامب، عندما قالت «كمالا لهم، أما ترامب هو من أجلك»، وهو ما عزز تصريحات الرئيس السابق عن وصفها بأنها «تقدمية بشكل خطر».
ـ أخطاء تكتيكية ـ 
ومن بين الأخطاء التكتيكية التي أتت بنتائج عكسية، كان ترقية هاريس قبل فترة قليلة من الانتخابات لعضوة الكونغرس الجمهورية السابقة ليز تشيني، التي أطيح بها من حزبها بعد أن أصبحت من أشد منتقدي ترامب، لتكون البديل الأول لحملة نائب الرئيس، لكن هذا القرار لم يفعل شيئاً بشأن الناخبين المترددين بل واستغلته حملة ترامب لصالحها، مثلما فعلت مع وصف أحد جنرالاته السابقين له بـ«الفاشي».
ويعترف الديمقراطيون بأن نتائج الانتخابات تظهر أن الناخبين كانوا على استعداد للتغاضي عن شخصية ترامب ــ وعانى الحزب الديمقراطي لأنه ركز أكثر مما ينبغي على تقريع ترامب، وليس على كيفية تحسين حياة الناخبين.
وعلى نطاق أوسع، عزا بعض المساعدين التحول بعيداً عن هاريس في الولايات الزرقاء التي يمكن الاعتماد عليها مثل نيويورك ونيوجيرسي وإلينوي إلى التنصل من تعامل الحزب مع الهجرة، وشهدت العديد من تلك الولايات تدفقاً للمهاجرين، بعضهم نقله حكام جمهوريون بالحافلات، وكافح الديمقراطيون في المدن الكبرى للرد.
ـ تجاهل مؤشر صارخ ـ 
قال المستشارون إنه عندما لم تؤيد بعض النقابات الكبرى هاريس، كان ذلك بمثابة علامة حمراء، ليس لأن تأييد النقابات في ظاهرها سيكون ذا أهمية كبيرة، ولكن تلك القيادة كانت تعلم بوضوح أن أعضاءها يميلون إلى التصويت لصالح ترامب بهوامش كبيرة، وقال العديد من المستشارين إن الحملة لم تفعل ما يكفي لمعالجة هذه المخاوف.
قال أحد المستشارين، إنه في الأسابيع الأخيرة من السباق، أدركت الحملة أنها تنزف الناخبين السود واللاتينيين، مما أدى جزئياً إلى دفع جدول هاريس الإعلامي وخططها الاقتصادية التي كان من المفترض أن تلبي احتياجات تلك المجموعات، لكن ذلك كان قليلاً جداً، ومتأخراً جداً.
ومن بين الأخطاء الأخرى، هو قرار الحملة بإنفاق مبالغ كبيرة على حفلات المشاهير في المرحلة الأخيرة، في حين لا تزال هاريس تفشل في تحقيق هدفها المقصود المتمثل في إظهار حماس واسع النطاق لها في جميع أنحاء البلاد وإخراج المزيد من الناخبين المؤيدين إلى صناديق الاقتراع.
وأنفق المانحون الديمقراطيون على هذه الانتخابات الرئاسية أكثر من أي وقت مضى - على الأرجح حوالي ملياري دولار، وقال جيف جارين، أحد منظمي استطلاعات الرأي: «الخلاصة الرئيسية هي أن هذه الانتخابات أظهرت عدم الرضا عن الاقتصاد.. وكان لدى هاريس 107 أيام لتقديم نفسها إلى مجموعة كبيرة من الناخبين رغم ذلك.. ولم يتمكن أحد في تاريخ السياسة الأمريكية من القيام بذلك».


ـ بايدن وهاريس ـ 
وبمجرد تولي هاريس السلطة، أراد بعض مساعديها أن تبتعد عن بايدن، معتقدين أنها لن تتمكن من الفوز ما لم تتناقض بشكل حاد مع الرئيس الذي لا يحظى بشعبية، لكنها وقعت في خطأ فادح خلال لقاء مع برنامج «The View»، فعندما سئلت عما إذا كان لديها أي خلافات مع بايدن، قالت إنها لا تستطيع التفكير في أي خلافات، وهو ما التقطته حملتة ترامب لتحميلها كل مشاكل الإدارة الحالية، ويقول حاكم نيويورك السابق الديمقراطي ديفيد باترسون: إن الحزب بحاجة إلى القيام بعمل أفضل «للاستماع» إلى الناخبين، بدلاً من إلقاء المحاضرات.

 

أخبار متعلقة :