جريدة جريدة وطني

شهادة الصمود.. نضال امرأة ضد الفاشية

في خضم القرن العشرين، ظهرت قصص نضالية لنساء شجاعات واجهن الأنظمة التوتاليتارية، ومنها امرأة كرّست حياتها لمقاومة الفاشية، بدأت نشاطها السياسي في وطنها، ما أدى إلى اعتقالها وسجنها لسنوات في ظروف قاسية، بسبب التزامها بالنضال ضد القمع. هذه المرأة هي ميرسيدس نونييث تارجا، الكاتالونية التي قاومت نظامين توتاليتاريين في القرن العشرين. صدر في الآونة الأخيرة عن دار نشر بلوتو بريس كتاب «الشهادة: قصص من السجن لنضال امرأة ضد الفاشية»، ليوثق التجارب القاسية لها، ويقدم لنا رؤية عميقة ونادرة للمعاناة والمقاومة النسائية ضد الفاشية.

ولدت ميرسيدس نونييث تارجا في برشلونة عام 1911، رغم نشأتها في عائلة من الطبقة المتوسطة، تأثرت بشكل كبير بالجو الاجتماعي والسياسي المضطرب في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين. انضمت في سن مبكرة إلى الحزب الاشتراكي الموحّد في كاتالونيا؛ إذ أصبحت ناشطة فاعلة فيه، عملت سكرتيرة للشاعر والدبلوماسي بابلو نيرودا، أثناء فترة توليه منصب القنصل التشيلي في برشلونة، وقد أثار انقلاب فرانكو العسكري عام 1936 غضبها، وزاد من التزامها بمحاربة الفاشية.

تعرّضت تارجا للاعتقال في نوفمبر/ تشرين الثاني 1939، وأمضت معظم السنوات الست التالية في سجون الفاشية، أولاً في إسبانيا، ثم في ألمانيا النازية. وبعد إطلاق سراحها في نهاية الحرب، واصلت نونييث تارجا النضال ضد نظام فرانكو أثناء نفيها في فرنسا، وتمكنت أخيراً من العودة إلى إسبانيا بعد وفاة فرانكو في عام 1975، وتوفيت بإسبانيا عام 1986.

يغوص الكتاب في تفاصيل حياة تارجا التي بدأت في سجن فينتاس، في مدريد، ويقدم وصفاً حياً للظروف المروّعة التي عاشتها السجينات في ظل نظام فرانكو؛ حيث تُظهر كيف أن روح التضامن والصمود بين السجينات كانت دائماً حاضرة، ما أعطاهن القوة للبقاء. بعد خروجها من السجن، انضمت إلى المقاومة الفرنسية، وواجهت الاعتقال مرة أخرى، هذه المرة على يد ال«غوستابو» الألماني. وتصف الكاتبة، بأسلوبها الصريح، العنف والوحشية التي تعرضت لها، هي وزميلاتها، في معسكرات الاعتقال النازية، ومع ذلك، تُظهر أيضاً كيف أن هذه الظروف القاسية لم تقض على إرادة النساء في المقاومة، بل على العكس، وحّدتهن أكثر.

تُعيد تارجا في كتابها هذا إحياء أصوات الناجيات، فقد كانت أول من سلّط الضوء على قصص نساء؛ مثل ماتيلد ريفاك، وماتيلد لاندا، وجوليا لازارو، وماريا ديل ري، وتُعرفنا إلى سجينات متحدات ضد التعذيب، ويقاتلن من أجل الكرامة في أشد الظروف قسوة. تُظهر أيضاً قصص الذين لم ينجوا من التعذيب، وفقدوا حياتهم في معسكرات الاعتقال أو سجون الفاشية.

تقدم الكاتبة تفاصيل مروعة عن حكايات الأطفال الذين عاشوا في تلك الظروف القاسية مع أمهاتهم، ما جعل بقاءهم على قيد الحياة تقريباً أشبه بمعجزة، وتشير إلى حالات من أمثال لينين الصغير، والمرأة المجنونة التي كانت تحتفظ بصحن معدني كذكرى لموت طفلها، ما يعكس الطريقة القاسية التي كانت تعانيها الطفولة والأمومة. تتطرق تارجا إلى العلاقات الجديدة التي تشكلت في السجن، مثل السجينة التي تبنّت امرأة أخرى كانت متأثرة بشدة بسبب إعدام ابنها. تصف هذه الديناميكيات الإنسانية التي نشأت وسط المعاناة، وتبرز كيف أن الروابط العائلية والمبادئ الأخلاقية أصبحت داعماً جماعياً في مواجهة عدو يحاول تحطيم الروح البشرية.

يُظهر الكتاب كيف أن التضامن والروابط الإنسانية يمكن أن يتجاوز الحدود والجنس، ليصبح محوراً للحياة الجماعية حتى في أشد الظروف قسوة.

أخبار متعلقة :