إعداد ـ محمد كمال
بعد مرور ألف يوم على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، منح الرئيس الأمريكي جو بايدن إذناً غامضاً لكييف باستخدام صواريخ باليستية أمريكية لضرب عمق الأراضي الروسية، وهو ما دفع موسكو على الفور لإقرار عقيدتها النووية المحدثة، ما يخوّل لها الردع النووي ضد هذا الاستهداف المحتمل، وكل ذلك يعني أن الرئيس المنتخب القادم إلى البيت الأبيض دونالد ترامب عليه العمل على منع اندلاع حرب عالمية ثالثة، وليس فقط إنهاء الصراع الدائر حالياً.
بايدن وقبل شهرين فقط من انتهاء فترة رئاسته، منح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إذنَ استخدامِ صواريخَ «أتاكمز» بعيدة المدى لضرب روسيا، رغم إلحاحه بطلب الحصول على الإذن منذ شهور عديدة، ولكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تذرعت بثلاث حجج لرفض الطلب.
وتمثلت حجج البنتاغون في: القلق من قيام روسيا بتصعيد الأعمال العدائية من خلال زيادة حملتها السرية ضد حلفاء أوكرانيا الغربيين؛ وعدم وجود مخزونات كافية من الصواريخ ATACMS؛ والادعاء بأن الروس قد نقلوا أصولهم العسكرية الأكثر قيمة إلى خارج نطاق هذه الصواريخ البالغ نحو 300 كيلومتر.
وبحسب مراقبين فإن أياً من حجج الرفض الأمريكي لم يطرأ عليها أي تغيير راهناً، وهو ما قد يدعم نظرية عدد من الاستراتيجيين الجمهوريين، الذين يتهمون إدارة بايدن بمحاولة تصعيب الأمور على ترامب قبل توليه المسؤولية في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني، خصوصاً إذا أقدمت كييف على ضرب الأراضي الروسية بالصواريخ الباليستية الأمريكية، وهو كما يقول مطلعون احتمال وارد جداً، وقد تبدأ باستهداف منطقة كورسك التي تسيطر على عدد من البلدات فيها.
خسائر أعلى من الفوائد
وبالطبع لن تصمت روسيا، ولكن ردها الانتقامي المحتمل، ربما لا يمكن تخيله، بعد إقرار الرئيس فلاديمير بوتين، العقيدة النووية المحدثة، ولن تتورع عن استخدامه في الردع للدفاع عن سيادتها، وربما دخل في نطاق أهدافها، دولا تابعة لحلف شمال الأطلسي كما صرح بوتين من قبل.
المحللون يرون أن قرار بايدن يعكس شعوراً بالإلحاح لتعزيز إرثه بشأن أحد أكبر تحديات السياسة الخارجية لرئاسته، وقد دخل ومساعدوه في سباق مع الزمن حيث يسعون إلى دعم أوكرانيا قبل أن يتولى ترامب الذي انتقد بشدة المساعدات المقدمة لأوكرانيا، لكن في حين أن إذن بايدن باستخدام أسلحة بعيدة المدى قد يساعد القوات الأوكرانية التي تتعرض لإطلاق النار في غرب روسيا على المدى القصير، فمن غير المرجح أن يغير قراره مسار الحرب، وفقاً لمسؤولين أمريكيين ومحللين عسكريين.
ولدى الجيش الأوكراني الآن إمدادات محدودة من الصواريخ، وقال محللون: إن إطلاق عدد صغير من الأسلحة على أهداف في روسيا لن يحدث فرقاً كبيراً في الحرب الشاملة، لكن الصواريخ، المعروفة باسم ATACMS، يمكن أن تكون بمثابة رادع، مما يثني كوريا الشمالية عن تقديم المزيد من المساعدة لروسيا.
بايدن يتخلى عن حذره فجأة
يُعد قرار السماح باستخدام ضربات بعيدة المدى داخل روسيا يتناقض مع النهج الأكثر حذراً الذي اتبعه بايدن في الحرب حتى الآن، ومنذ أن بدأت قبل أكثر من عامين، أرسل مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية لأوكرانيا للمساعدة في صد روسيا، لكنه تردد مراراً وتكراراً عندما يتعلق الأمر بالأسلحة الهجومية، خوفاً من إثارة صراع أوسع نطاقاً، رغم أن العديد من المشرعين الأمريكيين كان يشجعونه على منح التفويض.
ويقول وليام تيلور، نائب رئيس معهد السلام الأمريكي والسفير الأمريكي السابق في أوكرانيا: «تدرك إدارة بايدن أن أمامها قدراً محدوداً من الوقت لإحداث تأثير، هذا ما سيُذكر به بايدن: إذا أعطى الأوكرانيين كل ما هو ممكن».
ورغم تشديد إدارة بايدن على التزامه تجاه أوكرانيا، فإن تحذيرات مخابراتية أمريكية أفادت بأن الانتقام الروسي بسبب السماح بضربات طويلة المدى سوف يفوق الفوائد. ورفض جون فاينر، نائب مستشار الأمن القومي لبايدن، تأكيد التصريح بإطلاق الصواريخ بعيدة المدى، لكنه أشار إلى أن الولايات المتحدة قالت: إنها سترد على قرار روسيا بتصعيد الهجمات على أوكرانيا بتعزيزات كورية شمالية.
إلى جانب التفويض بضربات طويلة المدى، تحاول إدارة بايدن التحرك بسرعة أكبر لتوفير المعدات العسكرية والمساعدة المالية لأوكرانيا التي وافق عليها الكونغرس بالفعل، وعلى الرغم من صراع اللحظة الأخيرة، كان من الواضح في قمة مجموعة العشرين أن استراتيجية بايدن في أوكرانيا، مثل رؤيته الأوسع للسياسة الخارجية والداخلية، قد تصبح شيئاً من الماضي قريباً.
مستشار ترامب يرد
إدارة ترامب الجديدة، لم تصمت إزاء قرار بايدن الغامض، فقد استشعرت خطورة ما توجهه، وثقل التركة التي بانتظارها، حيث أعرب مايك والتز الذي قرر ترامب تعيينه مستشاراً لشؤون الأمن القومي في إدارته، عن قلقه من السماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي بأسلحة أمريكية، مؤكداً في تصريحات لشبكة «فوكس نيوز» أن هذه «خطوة جديدة على طريق التصعيد.. لا أحد يعرف ما الذي ستؤدي إليه»، واعتبر أن الوضع في أوكرانيا «بدأ يخرج عن السيطرة».
أما دونالد ترامب جونيور، نجل الرئيس الأمريكي المنتخب، فقد انتقد بشدة هذا التحول في السياسة، وكتب في منشور على موقع إكس: «يبدو أن المجمع الصناعي العسكري يريد التأكد من اندلاع الحرب العالمية الثالثة قبل أن تتاح لوالدي فرصة لإحلال السلام وإنقاذ الأرواح».
وتشير تقارير إعلامية غربية إلى أن ترامب، سيلغي تفويض أوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية لضرب العمق الروسي، فور وصوله إلى البيت الأبيض، ولكن يخشى هؤلاء من خروج الأوضاع عن السيطرة وتطورها بشكل لا يمكن الرجوع عنه قبل محاولة بدء محادثات وتثبيت وقف إطلاق النار بين البلدين.
ترامب يواجه الحرب
وبينما ركز بايدن رئاسته على الدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة، فإن زعماء العالم يدركون جيداً أن ترامب قام بحملته الانتخابية على أساس نهج انعزالي مفاده «أمريكا أولاً» واتهم الدول الأخرى بعدم المساهمة بشكل كافٍ في التحالفات الأمنية، كان عبر ترامب أيضاً عن شكوكه بشدة في المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وقال: إن رئيسها، فولوديمير زيلينسكي، كان يجب أن يبرم صفقة ويقدم تنازلات لروسيا.
وقال ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الروسي: «إنه يجب أن تفهم إدارة بايدن بالتأكيد أنها لا تترك لفريق ترامب مشكلة حل الصراع الأوكراني فحسب، بل مشكلة أكبر: منع المواجهة العالمية».
والتحول في موقف البيت الأبيض سيسمح لأوكرانيا باستخدام نظام الصواريخ الباليستية المسمى ATACMS. ومع مدى يصل إلى 190 ميلاً، ستسمح هذه الصواريخ لأوكرانيا بضرب أهداف تقول إنها ستضعف الجيش الروسي، مثل المراكز اللوجستية ومستودعات الذخيرة، التي لا يمكن أن تصل إليها مدفعيتها وصواريخها قصيرة المدى. لكن التقديرات المخابرات الغربية أكدت نقل روسيا لقدراتها العسكرية عالية القيمة إلى مدى أبعد.
ويأتي هذا الإذن في أعقاب أشهر من الانتكاسات العسكرية القاتمة لأوكرانيا على طول خط المواجهة، وبسبب نقص القوات، لجأت أوكرانيا إلى نقل الجنود لتعزيز النقاط الساخنة، مما ترك المناطق التي أخلتها عرضة للخطر، وتتقدم روسيا بما يصل إلى ميل في اليوم في منطقة دونيتسك الجنوبية، وهي أسرع وتيرة لها منذ بداية الحرب.
أخبار متعلقة :