«أفلام الكرتون».. سلاح ذو حدّين برسائلها الخفية

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تحقيق: سارة البلوشي

تحمل أفلام الكرتون في طيّاتها رسائل خفية تؤثر في تنشئة الطفل إيجابياً أو سلبياً، فهي سلاح ذو حدين، حيث تعرض المواد في فضاء رقمي مفتوح، عبر الشبكة العنكبوتية، ويكون من الصعب تمييز كل عمل، فهناك كرتون يعلم الطفل العبرة بالقصص، في حين منها ما يزرع الأفكار الهدّامة التي تمسّ الأخلاق والمعتقدات.
«الخليج» فتحت ملف «أفلام الكرتون»، مع مجموعة من المتخصّصين والخبراء، لمعرفة إيجابيات هذه الأفلام وسلبياتها، في شخصية الطفل وكيفية الاستفادة منها، والحدّ من الدخول في الخطر، وكيف يكفل القانون الإماراتي الحماية التامة للطفل.
قال الدكتور إبراهيم الحوسني، المدرس السابق بجامعة عجمان، إن أفلام الكرتون دائماً ما كانت مصدر فرح ومتابعة وانتظار من كل الأطفال، باختلافها، سواء رسوم المانغا أو الإنيميشن، أو حتى الرسوم المتحركة، كلها مصدر متعة، خاصة أن هناك شبه رقابه لما يعرض للأطفال بالمجلس الوطني للإعلام.
ولكن هناك قنوات الآن تخلط بين المحتوى الملغوم والهابط، والمحتوى الجيد، ضمن المفاهيم الاعتقادية المختلفة، التي قد تتعارض مع قيم المنطقة وعاداتها، بعرض نماذج مثلية أو عنيفه أو مبالغة في الرعب، ومن ثم فإن محتواها يمر عبر الفضاء المفتوح لوسائل التواصل، عبر الإنترنت، وإن كانت «اتصالات» تقول إن لديها رؤية ومتابعة لما تسمح باختراقه للطيف عندنا، فإن الكثير من المواد المعروضة يسبب اختراقاً غير مرغوب فيه أحياناً.
وأكد أن الرسوم لها أكثر من حدّ، إيجابي يعرض قيماً إنسانية راقية، وهو القليل، والأغلبية تعرض مادة للتسلية ولأهداف هابطة وهو الكاسح، وعلى أي مجتمع الحذر مما يجتاحه من غثّ وسمين منها.
وأضاف: بالطبع الهابط وتكرار عرضه يؤثر في الأطفال من حيث ترسيخ المفاهيم الخطأ عندهم، وهو الجانب السلبي. أما بالنسبة للتأثيرات السلبية بسبب الإدمان على الأجهزة الإلكترونية، وبالأخص أجهزة الألعاب، فلها سلبياتها وإيجابياتها.


الإدمان وتأثيراته
وأكد د. الحوسني، أن الإدمان عليها بشكل عام سلبي في كل الأحوال، إذا لم يراقب الأهل الساعات التي يقضيها الطفل على هذه الألعاب. لأن الإدمان عليها يصرف الطفل عن تعلم المفاهيم الطبيعية، والممارسات القيمية الاعتقادية والمتعلقة بالهُوية، وممارسة العادات والطقوس الخاصة بالمجتمع، لأنه ينغمس في التعامل مع طقوس وقيم مجتمعات مختلفة، وهذا ما يفقد الطفل هُويته وارتباطه بمجتمعه وقيمه وعاداته، وأصول التعامل وغيرها من أسس تنشئة كيان الفرد.
وقال: أما بالنسبة للتحصيل الدراسي، فإن الإدمان عليها، يجعل الطفل يخلط بين ما يتعاطاه منها وما يدرسه، فيفضل ما يأتي منها على ما يحصله من التعليم، فيحصل التضارب.
برامج متوازنة
وأشار إلى أن لها جوانب إيجابية في معرفة كيفية التفاعل مع المشكلات، وإيجاد أنسب الحلول لتفاديها والاستفادة منها. فالتحكم الأسري بالتعامل مع هذه الوسائل، يوفر الأمان في تقليل أضرارها، وزيادة الاستفادة بوعي من مخرجاتها.


دراسة المحتوى 
وقالت سلمى صدقي عيد، مديرة مدرسة «النهضة الوطنية بنات»، أبوظبي: عند الحديث عن الشاشات التي يتعرض لها الأطفال، يجب أن نفرّق بين أنواع الشاشات، التلفزيون، والأجهزة اللوحية أو الهاتف. كما يجب التفريق بالمحتوى، إذا كان ألعاب رسم تفاعليه أو مكالمة تستخدم الفيديو مع الأقارب والأهل، أو مسلسلاً يحضره على شاشة التلفاز، والمقصود أن استخدام الأجهزة بشكل مراقب ومدروس، يعود بالفائدة على الأطفال إذا درس المحتوى الذي يعرضه للطفل، بهدف التعلم وتحفيز ذكائه وسرعة بديهته. 
شخصية الطفل
وأكدت أن الطفل يأخذ القدوة ويتعلم الصدق، والأمانة، والالتزام وصفات كثيرة أخرى أولاً من المنزل، حتى حُسن التحدث وأدب المعاملة، وسلوكات مثل تفريش الأسنان، والنظافة الشخصية، واحترام الكبير، والعطف، والشفقة، أو نقيض هذه الصفات، وهذا كله يوثر في شخصية الطفل وطريقة تكوينها في المستقبل. 
وأضافت: أما إذا فقد الطفل القدوة في المنزل لأي سبب، فسوف يتجه لتعلم جميع السلوكات السابقة من أشخاص مختلفين من خارج محيط المنزل، والطفل يتعلم في السنوات الأولى الصحيح والخطأ، والتعامل والتفاعل مع الآخرين. 
وأشارت إلى أن الطفل الذي يعوّده أهله على اتباع الأوامر بشكل قاس، من دون السماح بأي نقاش أو أي حق بالرفض حتى بطريقة مهذبة، فإنه سيكون أضعف في مواجهة تحديات الحياة ومواجهة الصعوبات، لذلك يجب على الأهل الاهتمام بالسنوات الأولى من عمر الطفل للمساهمة في بناء جيل واع. 
وأوضحت أن أفلام الكرتون العنيفة تنمّي العنف في شخصية الطفل وتصرفاته مع زملائه وأصحابه، وحتى إخوانه في المنزل، كما أن الطفل يصل إلى مرحلة يصبح من الصعب عليه الفصل بين الواقع والخيال، كما يبدأ بالتعرض للكوابيس والأحلام التي تعكس العنف في الأفلام، ليصبح في خوف وانعزال. 
مرحلة النمو
وأكدت سلمى عيد، أنه بالرغم من أن كل مرحلة عمرية للطالب أو الطفل تتأثر بالتغيرات السلوكية، سواء التي تحدث أثناء مراحل النمو في بطن الأم وعلاقة الجنين بها، إلى مرحلة الشيخوخة، وتغير سلوك الإنسان بسبب حاجته إلى الدعم والاهتمام، فإن مرحلة النمو بين 12 -18 سنة من أخطر هذه المراحل، وخاصة أن الشباب يتعرضون للوسائط المادية، كالإعلام، وأحياناً انشغال الأهل عنهم وعدم ملاحظة حاجتهم الشديدة إلى وجود القدوة في حياتهم، وبقربهم، وتوضيح الحلول بسعة صدر في حال وقوعهم بمشكلات من أي نوع، حتى الاهتمام بغذائهم، وعدم تسهيل تناولهم للوجبات السريعة، للمحافظة على نسبة الفيتامينات اللازمة لنموهم.
مبادرات الإمارات
وقالت، قدمت الإمارات مبادرات متميزة لضمان الحماية الرقمية للأبناء والطلاب، بإطلاق سياسة الحماية الرقمية، ومبادرات حماية الطفل، ومبادرة دام الأمان وكثير غيرها. وعلى المدارس التأكد من تقديم الإرشاد والتوجيه الكافي، بالتعاون مع أولياء الأمور، مثل الورش التدريبية، وعمل برامج دعم للطلاب المتضررين بشكل أو آخر، كما يجب أن يكثف أولياء الأمور مراقبتهم للمنصّات التي يستخدمها الأبناء والألعاب الإلكترونية التي يشاركون بها. 
التآلف والتراحم 
قالت أم عمر، إن بعض أفلام الكرتون إيجابي وبعضها سلبي، فأنا كوني أماً أحرص على اختيار أفلام تناسب أخلاقنا الإسلامية أولاً وعادتنا الاجتماعية. 
وأوضحت أن هناك أفلام كرتون تنمّي الجانب الشخصي للطفل وبعض الأفلام مثلاً تكون عن الأسرة، فتعلم الطفل حب الآخرين وتحمّل المسؤولية والتآلف والتراحم، وهذه أغلب أفلام الكرتون التي أجعل أبنائي يندمجون معها. 
ولفتت إلى أن بعض الوالدين يرون أنه الحل الأفضل للتخلص من إزعاج الطفل هو تركه يشاهد هذه الأفلام والألعاب الكرتونية، وأكدت أنها ترى هذا الحل خطأ، وأن أطفالها يشاهدون الكرتون مرة أسبوعياً، ويكون يوماً مميزاً، يجتمعون فيه، ويأكلون الفشار، ويشاهدون الفيلم معاً. 
وأوضحت أنها تضمن سلامتهم، وتوزّع الوقت بشكل يناسبهم للعب والمشاهدة والدراسة والجلوس الأسري، ويوم في الأسبوع كاف لهذه الأفلام ويكون جميلاً ومميزاً. 
اللين والشدة 
وأضافت: الابن خلال العمر من 6 إلى 13، يهتم بالألعاب ومشاهدة المسلسلات الكرتونية، وأثناء الحوار معه أكون لينة قليلاً وشديدة أحياناً بما فيه مصلحة له، وأحياناً أتوجه لأسلوب العقاب والحرمان لو تطلب الأمر.
رسائل خفية
وقالت الدكتورة عائشة الجناحي، كاتبة وقائدة عالمية في مجال الطفولة المبكّرة، ومدربة معتمدة في الإمارات، إن بعض الأفلام لها رسائل خفية يوجّهها الغرباء للأطفال والمراهقين التي قد تؤثر فيهم سلبياً في غياب رقابة الوالدين، أما بخصوص الألعاب الإلكترونية، فقد أصبحت توجد في بعض البرامج وتطبيقات الهواتف الذكية وروابط في مواقع التواصل، التي قد تهدد استقرار الأبناء النفسي. وبطبيعة الحال، شيوع استخدام الهواتف الذكية جعلها في متناول أغلب الأطفال والمراهقين، فلم تعد بعض الأسر تتهاون في تزويدهم بالهواتف الذكية ولم تعد تتمعّن في أثرها السلبي صحياً ونفسياً.
موضة اجتماعية
وأضافت: لأن الهواتف أصبحت موضة اجتماعية نراها اليوم في متناول الكثير من الأطفال والمراهقين، فأصبحت عملية فتح الروابط الغريبة أو الصور أو الحديث مع الغرباء عبر التطبيقات ومواقع التواصل، أكثر سهولة. وانتشرت على الإنترنت في السنوات الماضية بعض الألعاب الإلكترونية المجانية الخبيثة التي لفتت الصغار رغبةً منهم في التسلية، ولكنها للأسف أنهت حياة الكثير منهم بالقتل والانتحار، بسبب اتباعهم لقوانين هذه الألعاب الإلكترونية التي ترسل رسائل غامضة للضحايا ومن ثم تطلب منهم القيام بمهام خطرة، قد تتسبب في إلحاق الضرر بهم.
تخصيص وقت
وأكدت أنه يجب مشاركة الأهل بشكل دائم للأطفال باختيار الألعاب المفيدة لهم بمعرفة محتواها الإيجابي، وتركز على الإبداع وتنمية قدراتهم في اتخاذ القرارات. ولتجنب الجانب السلبي، يجب وضع نظام في استخدامها، بتحديد ساعات محددة للعب. كما يمكن للأسرة كسب ثقة الأطفال بتخصيص وقت للعب معهم، لمعرفة طبيعة الألعاب التي يلعبونها. 
الوضوح
ويجب على الأسرة، توضيح الجانب السلبي والإيجابي من هذه الألعاب للأطفال، وليس منعهم منها بالحرمان بعد إدمانهم عليها، لأنهم حين يصلون إلى مرحلة المراهقة، وهي مرحلة إثبات الذات وأسلوب التفكير المبني على «كل ممنوع مرغوب»، سيكون تدخل الأسرة ليس سهلاً.
أهمية الطفولة
وأوضحت الدكتورة عائشة، أن مرحلة الطفولة المبكّرة من أهم المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان، لأنها تؤثر بشكل كبير في المراحل الأخرى التي تليها، سواء في النمو الجسدي، والنفسي، والاجتماعي، أو النمو العقلي، لذا ينبغي الاهتمام بالطفل في مرحلة الطفولة المبكّرة أكثر بكثير من جميع الجوانب والمراحل الأخرى.
سرعة التأثر
وقالت، إن الطفل صفحة بيضاء في مرحلة الطفولة ويتأثر بشكل سريع بالأمور التي تحدث حوله، فهو لا يعلم ما المقبول وغير المقبول، ولكنه يتعلم عن طريق مراقبة ردة فعل الوالدين وتصرفاتهم وكيفية تعاملهم معه، لذا يعدّ دور الأسرة في غاية الأهمية كونها البوصلة الرئيسية في مرحلة الطفولة التي تحدد تفاعلهم مع أفراد الأسرة والعالم الخارجي.
الإرشاد
ولفتت إلى أنه في عالم الإعلام الرقمي، لا بدّ من توفير التوعية اللازمة عن مدى خطورة منصات التواصل، وإحكام الرقابة الأسرية عليها وعلى بعض الألعاب الإلكترونية التي تعدّ طريقة حديثة وسهلة لاستدراج الضحايا بخدمة المحادثات الصوتية والكتابية.
وأهمية وضع خطة للتصفح الآمن عبر مواقع الإنترنت وإرشاد الأبناء إلى كيفية الاستخدام بطرائق آمنة، والتقرب منهم بتشجيعهم على التحدث معهم عن تجاربهم في العالم الرقمي لمعرفة ميولهم بمراقبة السلوك والنقاش معهم عن الأمور التي قد يتعرضون لها.
أداء محفزة
وأكدت أن مواقع التواصل سلاح ذو حدين، فهي من جهة تساعد في تطوير وصقل مهارات الأبناء، وأداة تعليمية محفزة. ولكن علينا ألا ننسى أن الأبناء بإمكانهم الولوج إلى العالم الرقمي الواسع الذي قد يغرقون في سلبياته إن لم يوعّون بشكل مناسب ويحصّنون من أضراره.
الحوار الهادف 
وقالت أم نورة: أرى أن أفلام الكرتون تؤثر سلباً بالتأكيد في سلوك الأطفال، لأنها تأتي من مجتمعات غربية وتنافي عاداتنا وتقاليدنا.
سلاح ذو حدين
وقالت الأم المهندسة خولة النومان، إن الأفلام بشكل عام سلاح ذو حدين، ويمكن أن تنعكس إيجابياً وسلبياً معاً على سلوك الأطفال، إيجابياً خلال تعزيز أفلام الكرتون للقيم، مثل الصداقة والتعاون والمحبة وغيرها، بينما سلبياً من خلال تضمن بعض الأفلام محتوى عنيفاً وشديداً أو سلوكات غير ملائمة، ما قد يؤثر في السلوك، ويتوجب على الأهل متابعة ما يشاهده الطفل سواء في التلفاز أو السينما أو اليوتيوب وتقنينه.
تنمية الطفل
وأشارت إلى أن الأفلام تنمي الجانب الشخصي للطفل، من خلال تقديم النماذج التي تحتذى بشكل مبسط، ويستطيع الطفل استيعابها، وتعزز من مهارات تفكيره وإبداعه، وإذا كانت المحتويات غير مناسبة له ولعمره تؤثر فيه سلباً وتؤذيه.
التوازن
وأوضحت المهندسة خولة النومان، أن استخدام الأفلام والألعاب وسيلةً لتهدئة الأطفال وليس للتخلص من إزعاجهم، بينما يمكن أن تكون وسيلة فعّالة لفترة قصيرة، ويجب على الوالدين توفير أنشطة بديلة، لأن التوازن في استخدام أي وسيلة ينمي من مهارات وشخصية الطفل.
وأضافت: على الأهل وضع خطة مرنة تتضمن أنشطة يومية حسب احتياجات الطفل واهتماماته، وأن الطفل الرضيع أقل من عمر السنتين، بحسب الدراسات، يفضل عدم مشاهدته واستخدامه للأجهزة الإلكترونية.
قوانين المشرّع
أكد المحامي منصور عبد القادر، أن المشرّع الإماراتي وضع قوانين تتعلق بمسؤولية الوالدين تجاه سلوك أبنائهما، ويشمل ذلك أحكاماً تتعلق بالإهمال أو تركه من دون رقابة أو متابعة. 
فبموجب قانون حماية الطفل، المعروف بقانون «وديمة»، هناك مجموعة من الالتزامات لحمايته، منها توفير الرعاية الكافية والاهتمام بتنشئة الطفل بشكل صحيح، ويتحمل الوالدان مسؤولية كبيرة في رعاية أطفالهما وتعليمهم وتوجيههم. 
رغبة التطبيق
وقال إن البعض يرون الأفلام مجرد شيء ترفيهي بسبب عدم إدراكهم لمخاطرها وتأثيرها في الأطفال في حال إهمال أولياء الأمور دون رقابة، لأنه من دون شك ليست كل الأفلام مناسبة للأطفال، حيث إن مشهداً أو لقطة من أي فليم غير مناسب قد تكون سبباً في دمار حياة طفل وسبباً رئيسياً في انحراف الطفل، وأنها قد تزرع في الأطفال الرغبة في تطبيق أو تجريب الجرائم بسبب تأثرهم بالشخصيات والمشاهد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق