«العمليات الانتقامية» وسيناريوهات الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد ـ محمد كمال
رغم حالة الجدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول مدى قوة الضربة الصاروخية الإيرانية، فقد توعدت إسرائيل برد قاس عليها، تشير تسريبات إلى أنه قد يتضمن منشآت نفطية وأهداف عسكرية حيوية في إيران، وأيضاً عمليات لاستهداف شخصيات بارزة، لكن الشيء الأكيد يتمثل في أن الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني سيحدد مسار الحرب الآخذة في الاتساع إقليمياً، خصوصاً في ظل توعد الطرفين بعمليات انتقامية مدمرة.
ومع دخول التصعيد في مراحل أكثر قوة، فقد أضحى التحدي المتمثل في تجنب حرب إقليمية غاية في الصعوبة، فرغم الجهود الأمريكية لاحتواء الرد الإسرائيلي المنتظر، فإن قليل من المحللين يتوقعون رضوخ إسرائيل لفكرة الرد المحدود، حيث تسعى جدياً لإرسال رسائلها حول عواقب الهجوم الصاروخي غير المسبوق عليها، والذي تضمن نحو مئتي صاروخ بعضها فرط صوتية، وبالطبع لن تقف إيران صامتة، لكن السؤال الذي يبحث عن إجابة، ماذا لو خرجت الأمور عن السيطرة أكثر من ذلك، وفي أسوأ الفروض ماذا لو طال القصف أهدافاً نووية؟
ورغم عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعاً مع مجلس الوزراء الأمني المصغر عقب الهجوم الإيراني، فلم يخرج بقرار واضح بشأن طبيعة الرد، فيما قالت مصادر إسرائيلية إنه يجري التنسيق حالياً مع الحليف الأمريكي قبل تنفيذ الهجوم المنتظر، وذلك لما يتطلبه الأمر من ضرورة الاستعداد لرد الفعل الإيراني والتصدي لأي هجوم صاروخي جديد ربما يكون أقوى بكثير، وقد يستلزم ذلك استعانة إسرائيل بالدفاعات الأمريكية الموجودة بالمنطقة.
وعلى الرغم من أن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي من بين أحدث الأنظمة الدفاعية الموجودة حالياً، فإنه مع إطلاق إيران 200 صاروخ في قصف جوي ضخم على إسرائيل الثلاثاء، نجح بعضها في اجتياز طبقات متعددة من أنظمة صواريخ أرض-جو الدفاعية الإسرائيلية، التي تعاني إجهاداً على مدار عام.
ـ منظومة دفاعية مجهدة ـ 
وعندما شنت إيران آخر هجوم على إسرائيل في إبريل/نيسان، تم إرسال البرقية قبل وقت كاف بحيث كانت هناك فترة للاستعداد. ومُنحت إسرائيل وحلفاؤها من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا وقتاً كافياً لإعداد أنفسهم لنشر طائرات مقاتلة وسفن حربية للمساعدة على إسقاط الوابل الإيراني من الطائرات بدون طيار والصواريخ، ورغم ذلك فقد أشارت التقديرات إلى أن تصدي إسرائيل لهجوم إبريل كلفها وحلفاءها نحو 1.5 مليار دولار، بينما لم يتضح بعد طبيعة الكلفة التي سببها الهجوم الأخير.
وفي ظل اعتماد إسرائيل على الصواريخ الاعتراضية الأمريكية، وهو نفس ما تقوم به أوكرانيا، فربما تواجه مشكلة في توفير المزيد منها في ظل استنزاف أوكرانيا موارد غربية كثيرة في هذا المجال، وهو ما يضع إسرائيل أمام خيارات استراتيجية إضافية، ومن بينها السماح لبعض الصواريخ الهجومية التي قد تنفجر في مناطق خالية بالمرور، توفيراً للذخيرة الدفاعية، كما قد يدفع ذلك إلى أن تحسب إسرائيل خطواتها لعدم الانجرار إلى صراع أكثر فتكاً وأوسع نطاقاً، وفق قول محللين عسكريين لصحيفة الغارديان البريطانية.


ـ الأهداف النووية ـ 
ويقول بعض المحللين إن أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية أو البنية التحتية النفطية من شأنه أن يزيد المخاطر بشكل كبير. ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه الضربة الجوية إلى استفزاز طهران ودفعها إلى إطلاق وابل صاروخي أكبر، وتكثيف برنامجها النووي، ما يختصر طريقها نحو تصنيع قنبلة نووية.
ويوضح نورمان رول، الذي شغل منصب كبير مسؤولي الاستخبارات الأمريكية: «ستسعى إسرائيل إلى تعزيز فكرة أن تفوقها التكنولوجي ومهاراتها العسكرية تسمح لها بضرب أي هدف في إيران». لكن رجح أن تتجنب إسرائيل ضرب أهداف قد تؤدي إلى حرب واسعة النطاق. وأضاف أن «الحرب ستتطلب الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، إن لم يكن مشاركة الولايات المتحدة.. ولا شك في أن إسرائيل تدرك أن واشنطن ليس لديها مصلحة في الانخراط في مثل هذا الصراع».
ـ الضربة المحسوبة ـ 
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن بإمكانهم إقناع نتنياهو بشن ضربة محسوبة دون إشعال حرب شاملة. لكنهم يقرون بأنه قد يرى الأسابيع الخمسة المقبلة حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لحظة مناسبة لمحاولة إعادة البرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء. ففي نهاية المطاف، لن يشكو الرئيس السابق دونالد ترامب من وقوع هجوم كبير على البنية التحتية العسكرية الإيرانية، ولا يمكن للديمقراطيين أن يتحملوا اتهامهم بتقييد إسرائيل بعد الهجوم الصاروخي الذي وقع يوم الثلاثاء، بحسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست.
ويحذر محللون عسكريون من خطر يتمثل في أن الحروب الأوسع نطاقاً، بمجرد أن تبدأ، تستغرق سنوات حتى تضع أوزارها. وما يفاقم المخاطر هو وجود الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الغزيرة ورغبة استعراض القوة والتصعيد، ما يهدد بعواقب كارثية لا يمكن تخيلها.
وقال نيسان رافاتي، كبير محللي الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية، إن «إسرائيل أوضحت أنه سيكون هناك رد، وهذا أمر مفروغ منه تقريباً.. والسؤال هو توقيته وحجمه»، وأضاف أنه يتعين على إيران بعد ذلك أن تقرر ما إذا كانت ستخفض التصعيد أو سترد بإطلاق النار، وهو ما يخاطر برد إسرائيلي أقوى.
وقالت نيكول غرايفسكي، الخبيرة في الشؤون الإيرانية والزميلة في مؤسسة كارنيغي: «هناك وجهة نظر في إيران الآن مفادها بأن عدم الرد على مقتل القائد السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مهد الطريق لإضعاف حزب الله». 
وقال جوست هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن أحد الخيارات هو أن تلاحق إسرائيل القدرات النووية الإيرانية، لكن مثل هذه العملية ربما تتطلب مساعدة من الولايات المتحدة. وأضاف أنه من الممكن أيضاً أن يتراجع الجانبان عن حافة الهاوية.


ـ خروج عن السيطرة ـ 
ويقول محللون أمنيون ومسؤولون سابقون، إن إسرائيل تتمتع بحرية أكبر في الرد بقوة على القصف الصاروخي الإيراني الأخير عمّا كانت عليه في إبريل/نيسان، عندما كان ردها على الهجوم الإيراني السابق ضربة رمزية إلى حد كبير ضد منشأة دفاع جوي في إيران، خصوصاً مع إضعاف قدرات حزب الله بشكل كبير.
ويقول ياكوف أميدرور، وهو لواء متقاعد شغل منصب مستشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الوطني، إن السؤال الوحيد هو «ما مدى قدرتنا على إلحاق الضرر بهم مقابل قدرتهم على إلحاق الأذى بنا». وأضاف أنه حتى الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، الذي ظل لفترة طويلة مصدر خوف لإسرائيل «يجب أن يؤخذ في الاعتبار».
ثم كتب نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، على وسائل التواصل الاجتماعي أن إسرائيل تواجه «أكبر فرصة في الخمسين سنة الماضية» لتغيير وجه المنطقة. وأضاف: «علينا أن نتحرك الآن لتدمير مشروعها النووي، وتدمير منشآت الطاقة الرئيسية لديها وتوجيه ضربة حاسمة».
ويبدو أن الشرق الأوسط أصبح على أبواب الحرب الأوسع والأشمل، التي تعالت أصوات التحذير منها على مدار عام كامل، فبعد أن اغتالت إسرائيل زعيم حزب الله حسن نصر الله، وبدأت غزوها البري للبنان، وبعد أن ردت إيران بإطلاق ما يقرب من 200 صاروخ على إسرائيل، تحول الأمر إلى واحدة من أخطر اللحظات في المنطقة منذ الحروب العربية الإسرائيلية القرن الماضي، لكن السؤال الأبرز وفق مراقبين عسكريين هو إلى أي مدى قد يتصاعد الصراع؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق