من نجم سينمائي إلى البيت الأبيض.. ريغان وصياغة مستقبل أمريكا

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في كتاب «ريغان: حياته وأسطورته»، يقدم ماكس بوت سيرة ذاتية شاملة ومفصلة لرونالد ريغان، كاشفاً عن أبعاد جديدة لشخصيته المعقدة، يعتمد بوت في سرده على مصادر متعددة، بما في ذلك مئات المقابلات مع أفراد من دائرة ريغان الشخصية مثل مساعديه وأصدقائه وعائلته، إلى جانب آلاف الوثائق التي أُفرج عنها حديثاً، ليقدّم صورة دقيقة ومتوازنة عن الرجل الذي أصبح رمزاً في التاريخ الأمريكي.
هذه الخلفية المتواضعة شكلت جزءاً أساسياً من هويته، إذ نشأ في الغرب الأوسط الأمريكي، وهو ما كان له تأثير كبير على قيمه وتوجهاته المستقبلية، يرسم المؤلف صورة لشاب وسيم مملوء بالطموح، متألق بشخصية جذابة كأبطال روايات النجاح التي كتب عنها هوراشيو ألجر في تلك الفترة.
ينتقل الكتاب بنا إلى فترة شباب ريغان، حيث بدأ مسيرته المهنية كمذيع رياضي في ولاية إيوا، كانت تلك المرحلة بمثابة انطلاقة غير متوقعة لمستقبله الباهر في هوليوود، حيث نجح في أن يصبح ممثلاً ناشئاً في فترة الثلاثينات حتى الخمسينات، وشكلت هذه المحطة مرحلة محورية أسهمت في تشكيل شخصيته العامة ومساره السياسي.
مع مرور السنوات، بدأت اهتمامات ريغان السياسية تبرز بقوة، وخاصة في الستينات، عندما أصبح واحداً من أبرز الأصوات المحافظة في الولايات المتحدة، لم تكن رحلته إلى عالم السياسة سهلة، لكنها كانت نتيجة تراكمات من التجارب التي خاضها سواء في السينما أو في حياته الشخصية. في عام 1966، أصبح حاكماً لولاية كاليفورنيا، حيث حقق نجاحاً ملحوظاً، وبدأ في ترسيخ نفسه كقائد سياسي ذي رؤية واضحة ومبادئ محافظة، لكنه في الوقت ذاته كان عملياً ويستطيع التفاوض مع خصومه السياسيين.
يسلط بوت الضوء على فترة رئاسة ريغان (1981-1989) باعتبارها تحوّلاً سياسياً واجتماعياً كبيراً في الولايات المتحدة، حيث يعتبره الكثيرون القائد الذي أعاد تشكيل الحزب الجمهوري وصاغ رؤيته للأجيال القادمة، يوضح الكتاب كيف أن ريغان، رغم إيمانه العميق بالمبادئ المحافظة، كان في بعض الأحيان مرناً ومستعداً للتفاوض لتحقيق أهدافه السياسية، على سبيل المثال، وقّع قوانين تدعم حقوق الإجهاض والسيطرة على الأسلحة خلال فترة حكمه كحاكم، ونجح في التفاوض مع الديمقراطيين في كاليفورنيا وواشنطن.
أما في الساحة الدولية، يعرض المؤلف دور ريغان البارز في إنهاء الحرب الباردة، من خلال تعامله الدبلوماسي مع زعيم الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، استطاع ريغان أن يضع نهاية سلمية لهذا الصراع الذي شكل العالم لعقود، لكن في الوقت ذاته، لم تخلُ فترته من الانتقادات، حيث يشير المؤلف إلى بعض الأخطاء التي ارتكبها ريغان على الساحة الدولية، مثل قضية إيران-كونترا التي أضرت بشدة بمصداقيته وأثرت على إرثه السياسي.
إضافة إلى السياسة الخارجية، يخصص الكاتب جزءاً كبيراً من العمل لتحليل سياسات ريغان الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد، كان ريغان الأب الروحي لنظرية «اقتصاد التساقط» وهي نظرية اقتصادية تقوم على تقليل الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى بهدف تحفيز النمو الاقتصادي. لكن بوت يقدم تحليلاً موضوعياً لهذه السياسة، مبيناً أنها رغم نجاحها في تقليل التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي، إلا أنها أسهمت أيضاً في توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ما أدى إلى تفاوت اقتصادي كبير لم تشهده الولايات المتحدة منذ فترة العصر المذهب.
ينتقل بوت إلى حياة ريغان العائلية، مقدماً نظرة عميقة على الجانب الشخصي للرئيس. رغم نجاحه السياسي، كانت علاقاته العائلية مملوءة بالتحديات، كان ريغان غالباً ما يظهر كشخص مفرط في الانعزال والتفاني في عمله، وهو ما أثر على علاقته بأبنائه وعائلته، يُظهر الكتاب التوترات التي نشأت نتيجة لهذا الانعزال، ما يجعل القارئ يتعرف إلى الجانب الإنساني من حياة ريغان، الرئيس الذي طالما احتفظ بصورة مثالية في عيون الشعب الأمريكي.
يُعتـــبر كتـــاب «ريغـــان: حياتــه وأسطورته» واحداً مـن أهم السير الذاتية الرئاسية في العقود الأخيرة، حيث يجمع بين التفاصيل السياسية والشخصية، ويقدم صورة متكاملة لرئيس لطالما شكّل جزءاً مهماً من تاريخ الولايات المتحدة والعالم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق