طوفان الأسعار.. 100 عام من مواجهة التضخم.. الحرب العالمية الأولى أول اختبار.. والتأميم سلاح عبد الناصر للمواجهة قوانين الانفتاح تدفع المصريين إلى مظاهرات 77

بوابة فيتو 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
طوفان الأسعار.. 100 عام من مواجهة التضخم.. الحرب العالمية الأولى أول اختبار.. والتأميم سلاح عبد الناصر للمواجهة قوانين الانفتاح تدفع المصريين إلى مظاهرات 77, اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 04:28 صباحاً

يصارع المواطن المصرى منذ أكثر من عامين فى مواجهة طوفان الأسعار، الذى كاد يغرق الفقراء والطبقة المتوسطة على السواء فى ظل ضعف الرقابة على الأسواق، وفشل خطط الحكومة فى كبح جماح الانفلات السعرى الرهيب والتصدى للمحتكرين، ولا أحد يعرف متى يتوقف جنون ارتفاعات الأسعار.


تاريخ مصر مع أزمة الغلاء قديم جدا، وفى العصر الحديث يمتد لقرابة 100 عام وتحديدا منذ العشرينيات من القرن الماضى وحتى الآن حيث مرت البلاد بالكثير من الأزمات التى حاولت الحكومات المتعاقبة التصدى لها، بعضها نجح فى ذلك والبعض الآخر فشل وتسبب فى انتفاضة شعبية.


«فيتو» فى هذا الملف تفتح ملف طوفان الأسعار مرة أخرى خاصة مع وصول أسعار الخضروات ومن بينها الطماطم والبطاطس والبصل لأرقام قياسية تاريخية وغير مسبوقة، بخلاف أسعار العديد من السلع الغذائية وغير الغذائية الأخرى.. وتحاول تحليل أسباب هذا الجنون ومدى مسئولية الحكومة عن فوضى الأسواق.. فإلى التفاصيل:


يظن البعض أن ارتفاع الأسعار والتضخم هى أمور وليدة اليوم، أو حتى وليدة السبعينيات حيث الانفتاح الاقتصادى الذى شهدته مصر، لكن الحقيقة أن تلك أمور بدأت مع بدء التاريخ ذاته، وظلت مشكلة الخلفاء والأمراء والملوك ووصولًا إلى الرؤساء فى الوقت الحالي.
وفى مصر، يمكن التأريخ بعام 1920 فبعد الحرب العالمية الأولى، حدث ارتفاع فى الأسعار بسبب نقص الموارد والطلب المتزايد، وفى الثلاثينيات، تزايدت الضغوط الاقتصادية بسبب الكساد الكبير، مما أدى إلى تفاقم أزمة الأسعار خاصة القمح الذى كان العمود الأساسى فى البيوت المصرية.


وتشير تقارير منظمات الأغذية والزراعة (FAO)، التى تغطى تأثيرات نقص الغذاء العالمى على الأسعار فى مصر، إلى أن الكساد الكبير الذى بدأ عام ١٩٢٩ واستمر حتى أواخر الثلاثينيات من القرن الماضى، أدى إلى تقليص الاستثمارات وانخفاض الصادرات، مما زاد من الأعباء الاقتصادية على الطبقات الفقيرة، وشهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والسكر ارتفاعًا كبيرًا، مما دفع الأسر إلى تقليل استهلاكها.


وعاش المواطنون حينها تراجعا فى دخولهم الحقيقية، مما أدى إلى تراجع مستوى المعيشة.


الأمر ذاته تكرر فى فترة الحرب العالمية الثانية من عام 1939 وحتى 1945، والتى تسببت فى ارتفاع كبير فى أسعار السلع بسبب نقص المعروض، وارتفاع تكاليف النقل والإنتاج، ونتج عن ذلك مظاهرات كان أبرزها ما حدث عام 1945 حين نشبت مظاهرات بسبب عدم  قدرة الحكومة على معالجة الأزمة، رغم أن الحكومات حاولت التحكم فى الأسعار من خلال تنظيم الأسواق، وتحديد سقف للأسعار لبعض السلع الأساسية، مثل الخبز والسكر، وأُطلقت حملات لتشجيع الإنتاج المحلى والتقليل من الاعتماد على الواردات.


بعد ثورة 1952


تشير عدد من الدراسات الاقتصادية، ومنها دراسة “التضخم فى الاقتصاد المصري” من إعداد البنك المركزى المصري، إلى أن الفترة من 1952 إلى عام 2000، شهدت تقلبات كبيرة فى أسعار السلع والتعامل الحكومى معها.


ففى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، اتبعت الحكومة سياسة التأميم والسيطرة على الأسعار، مما ساهم فى تثبيت أسعار بعض السلع الأساسية، لكن ارتفاع الأسعار بسبب التوترات السياسية والحروب (مثل حرب 1967) أدى إلى زيادة التضخم.


وفى السبعينيات، أدت سياسة الانفتاح الاقتصادى إلى تحرير الأسعار، مما تسبب فى قفزات كبيرة فى الأسعار، وارتفعت أسعار السلع الأساسية مثل السكر والأرز بشكل ملحوظ، وأدى ذلك إلى مظاهرات 1977 الشهيرة التى نتجت عن تخفيض الدعم على السلع الرئيسية، مثل الخبز بنسبة 50% والسكر 25% والشاى 35%، فى ا كان من المواطنين سوى الخروج فى مظاهرات رددت شعار “سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه”.


أما فترة الثمانينيات فشهدت ارتفاعا ملحوظا فى الأسعار نتيجة تطبيق سياسات تقشفية، حيث زادت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، وفى التسعينيات، زادت معدلات التضخم وأثر ذلك على مستويات المعيشة.


الألفية الثانية


يمكن القول إن الاقتصاد المصرى تعرض للكثير من المتغيرات على مدار الفترة من 2000 حتى 2024، وأثر ذلك بدوره على الأسعار، ففى العقد الأول من 2000 حتى 2010 كانت معدلات التضخم معتدلة إلى حد ما، ولكن الأسعار كانت فى ارتفاع تدريجي.


كان التضخم يتراوح بين 4% إلى 11% سنويًا، نتيجة لأسباب التحول التدريجى للاقتصاد المصرى نحو سياسات التحرير الاقتصادى فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، بالإضافة إلى أزمة الغذاء العالمية فى 2008 والتى أثرت على أسعار الغذاء فى مصر.


لكن فى الفترة من بعد ثورة 25 يناير 2011 وحتى 2013، دخلت مصر فى حالة من عدم الاستقرار السياسى والاقتصادي، مما أدى إلى تدهور قيمة العملة وزيادة فى الأسعار بشكل عام،  بحسب تقارير البنك المركزي، وفى عام 2014، بدأت الحكومة المصرية فى برنامج خفض الدعم على الوقود والكهرباء، مما أدى إلى زيادات ملحوظة فى الأسعار، وأدى تحرير سعر الصرف عام 2016، كجزء من برنامج إصلاح اقتصادى بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، إلى انخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 50% مقابل الدولار فى فترة قصيرة، بحسب تقرير المعهد المصرى للدراسات الاقتصادية حول نتائج تحرير سعر الصرف.


وأدى تحرير سعر الصرف إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل حاد، خاصة السلع المستوردة مثل الوقود، الأجهزة الإلكترونية، والمواد تلغذائية، وتجاوز معدل التضخم 30% فى بعض الفترات.


ومع تفشى جائحة كورونا، تأثرت سلاسل التوريد العالمية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بسبب نقص الإنتاج والقيود على التجارة العالمية، وارتفعت الأسعار مرة أخرى مع تأثير الركود العالمى وانخفاض الطلب العالمى على النفط، مما أثر على الاقتصاد المصري.
كما تأثرت مصر بأزمة أوكرانيا فى عام 2022، بشكل كبير، التى أدت إلى زيادة حادة فى أسعار القمح والزيوت، نظرًا لاعتماد مصر الكبير على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا، وارتفعت معدلات التضخم مرة أخرى إلى مستويات قياسية، حيث بلغ التضخم السنوى فى بعض الأوقات أكثر من 30%، واستمرت قيمة الجنيه فى التدهور مع انخفاضه عدة مرات فى 2023 و2024.


أثر ذلك فى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية (الوقود، النقل، والخدمات بشكل كبير)، ما جعل تكلفة المعيشة أكثر صعوبة للعديد من المصريين، وزادت الضغوط على الأسر المتوسطة والمنخفضة الدخل.


سلاح الحكومات للمواجهة


على مدار 100 عام تنوّعت أسلحة الحكومات لمواجهة زيادة الأسعار والسيطرة على التضخم، فتارة تم تشريع قوانين، وتارة لجأت إلى الرقابة وتارة ثالثة كان الحل فى تقليل الاستيراد، وبالعودة إلى عام 1939 نرى أن الدولة أصدرت المرسوم بقانون رقم 101 لسنة 1939، وبموجبه تم وضع حد أقصى لأسعار المواد الغذائية والأساسية، وتم تأسيس لجنة مركزية يرأسها وزير التجارة والصناعة لتحديد الأسعار، والهدف منها مواجهة الارتفاعات الحادة فى الأسعار وضمان توفر السلع.


وأُلغى العمل بهذا المرسوم عام 1945 بعد انتهاء الحرب وتراجع الضغوط الاقتصادية، لكن تأثيره كان ملموسًا فى تنظيم السوق خلال تلك الفترة.


أما فى 1950، فأصدرت الحكومة أيضًا قوانين مثل قانون 163 لسنة 1950 الذى منح الحكومة صلاحيات واسعة لتحديد الأسعار ومراقبتها، وقوانين التموين، حيث تم تطبيق قوانين التموين التى تنظم توزيع السلع المدعومة والتحكم فى السوق السوداء، وسعت الحكومة المصرية آنذاك إلى فرض رقابة على الأسعار وتحديد سقف لها، خصوصًا للسلع الأساسية، ومع ذلك، كانت هذه السياسات تواجه تحديات فى التنفيذ.


قوانين يوليو


بعد ثورة 1952 لجأت الحكومة إلى سياسة التأميم فضمت العديد من القطاعات الاقتصادية وفرضت تسعيرة على السلع للسيطرة على التضخم وضمان توفّر السلع، بجانب منظومة دعم ابتكرها جمال عبد الناصر ما أدى إلى تخفيف الأعباء والاستقرار النسبى فى معيشة المصريين.


ومع سياسة الانفتاح بداية السبعينيات، لجأت الحكومة إلى إصدار قوانين التسعيرة الجبرية مرة أخرى للتحكم فى الأسعار، كما صدر قانون  رقم 12 لسنة 1976 بشأن تنظيم توزيع السلع الأساسية، وهذا القانون وضع إطارًا لتنظيم توزيع السلع الأساسية المدعمة، مثل الخبز والسكر والوقود، بهدف الحفاظ على استقرار الأسعار وضمان توفر هذه السلع للأسر ذات الدخل المنخفض.


ومن التسعينيات حتى بداية الألفية، تم تقليص استخدام التسعيرة الجبرية، واقتصر استخدامها فقط وقت الأزمات مثل ارتفاع أسعار الوقود والسلع الغذائية، واعتمدت الحكومة على قوانين مكافحة الاحتكار والتلاعب فى الأسواق، ومنها قانون حماية المنافسة، ومنع الممارسات الاحتكارية (قانون رقم 3 لسنة 2005)، الذى يهدف إلى حماية الأسواق من الممارسات الاحتكارية التى قد تؤدى إلى رفع الأسعار بشكل غير مبرر، ويتيح هذا القانون للحكومة التدخل فى حالة وجود شركات أو تكتلات تحتكر السلع والخدمات الأساسية، ما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار.
وخلال السنوات الأخيرة اعتمدت الحكومة أيضًا على قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018، بهدف حماية المستهلكين من الممارسات التجارية غير العادلة والاحتكارية، ووضع ضوابط على الشركات لضمان جودة المنتجات والخدمات المقدمة، ينص القانون على إلزام التجار بوضع الأسعار بشكل واضح على السلع والالتزام بالمواصفات القياسية.


ومنح القانون الحق لجهاز حماية المستهلك فى التدخل فى حالات المغالاة فى الأسعار أو الممارسات الاحتكارية، وذلك للحد من تأثير ارتفاع الأسعار على المستهلكين.


إضافة لذلك، فهناك القوانين المتعلقة بالأمن الغذائى والتخزين، فقد ظهر قانون الطوارئ (خاصة خلال فترات الأزمات)، مثل جائحة كورونا أو الحروب العالمية (مثل أزمة أوكرانيا)، لجأت الحكومة إلى بعض بنود قانون الطوارئ لتنظيم توزيع السلع الأساسية وتخزينها، وتحديد الأسعار للحد من المضاربة فى السوق.


وهناك قانون تنظيم المخزون الاستراتيجى للسلع الأساسية (القانون رقم 15 لسنة 2022)، وأصدرته الحكومة لتنظيم تأمين المخزون الاستراتيجى من السلع الأساسية، وضمان توفرها بأسعار معقولة فى أوقات الأزمات. يفرض القانون على الشركات والتجار توفير حد أدنى من المخزون لضمان عدم حدوث نقص فى السوق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق