القاهرة - إيمان مندور
مع تنامي شعبية الصفقات العابرة للحدود في الآونة الأخيرة، لا تزال أصداء صفقة القرن المعروفة بمشروع «رأس الحكمة» التي وقعتها دولة الإمارات مع مصر تتصدّر المشهد الاقتصادي الإقليمي والعالمي، حيث أكد خبراء لـ «الخليج» أنه قادر على إحداث طفرة إيجابية في الاقتصاد المصري، خصوصاً وأنه «أضخم صفقة استثمار مباشر في تاريخ البلاد».
وشهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وعبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، يوم الجمعة 4 أكتوبر، في محافظة مطروح، إعلان مخطط مشروع تطوير مدينة «رأس الحكمة» وتنميتها على الساحل الشمالي الغربي في مصر.
وشكر سموه فرق العمل التي عملت على المشروع من الجانبين الإماراتي والمصري خلال الفترة الماضية، مثمناً المخطط الخاص به وأهدافه الطموحة.
وأكد سموه أهمية المشروع في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين دولة الإمارات وجمهورية مصر العربية، مشيراً إلى أنه يمثل نموذجاً للشراكة التنموية البناءة بين البلدين، متمنياً للقائمين عليه التوفيق والنجاح في تحقيق الأهداف المرجوة منه خلال السنوات المقبلة بما يعود بالخير والنماء على الشعبين الشقيقين.
محرك للنمو الاقتصادي
مشروع رأس الحكمة الذي يعد أكبر صفقة استثمار مباشر على مر تاريخ مصر بقيمة 35 مليار دولار سيتضمن أحياء سكنية لكل المستويات، وفنادق عالمية على أعلى مستوى، ومنتجعات سياحية ومشروعات ترفيهية عملاقة، إضافة إلى كل الخدمات العمرانية الموجودة في كل مدينة من مدارس وجامعات ومستشفيات ومبانٍ إدارية وخدمية، إضافة إلى منطقة حرة خدمية خاصة تضم صناعات تكنولوجية وصناعات خفيفة وخدمات لوجستية، وحياً مركزياً للمال والأعمال لاستقطاب الشركات العالمية.
ويعكس مشروع رأس الحكمة التعاون الاقتصادي المتنامي بين الإمارات ومصر، ومن المتوقع أن يصبح مشروع رأس الحكمة محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي في مصر، حيث سيسهم بنحو 25 مليار دولار أمريكي سنوياً في الناتج المحلي الإجمالي الوطني بحلول عام 2045، ومن المتوقع أن يستقطب خلال مرحلة التطوير استثمارات ضخمة تصل قيمتها إلى 110 مليارات دولارأمريكي».
كما أعلنت القابضة (ADQ)، تعيين مجموعة «مُدن القابضة» الإماراتية، المدرجة في سوق أبوظبي للأوراق المالية، مطوراً رئيسياً لمشروع رأس الحكمة في مصر.
متى بدأت صفقة رأس الحكمة؟
شهد شهر فبراير/ شباط الماضي توقيع الصفقة الاستثمارية الخاصة بمشروع مدينة رأس الحكمة، وهي منطقة ساحلية تقع على بعد 350 كيلومتراً تقريباً في شمال غربي القاهرة على مساحة تزيد على 170 مليون متر مربع، وتتبع إدارياً محافظة مطروح.
ويتألف المشروع من مرافق سياحية ومنطقة حرة ومنطقة استثمارية إلى جانب المباني السكنية والتجارية والترفيهية. فيما تتضمن الخطة الرئيسية للمشروع منطقة سكنية تمتد على مساحة 80 مليون متر مربع تستوعب نحو 190 ألف فيلّا وشقة تستوعب ما يصل إلى مليوني نسمة.
إضافة إلى ذلك سيتم تخصيص 12 مليون متر مربع لتجارة التجزئة والترفيه والاستجمام، مع تخصيص 25٪ من المساحة الإجمالية للمساحات المفتوحة ما يجعلها المدينة الأكثر خضرة على البحر الأبيض المتوسط، وتلتزم بأعلى معايير التنمية الحضرية. كما ستضم رأس الحكمة منطقة استثمارية ومنطقة حرة خاصة وخمسة مراسٍ.
ريادة إماراتية.. نحو المستقبل
أكد الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، أنّ رأس الحكمة مشروع ملهم يعود بالخير على مصر والإمارات ضمن مفهومنا للبعد الجيو اقتصادي لعلاقات الإمارات العربية والإقليمية والدولية.
وقال قرقاش عبر منصة «إكس»: «إنّ المشروع خطوة نوعية أخرى في تعزيز الروابط الإماراتية المصرية من بوابة الاقتصاد والاستثمار، شراكة الماضي والحاضر هي أيضاً شراكة المستقبل».
من جانبه قال جمال بن سيف الجروان، الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، إن الإمارات تتصدر المنطقة في الاستثمارات الخارجية، وتقدر قيمة الأصول الإجمالية للاستثمارات الإماراتية في الخارج، سواء حكومية أو خاصة، بنحو 2.5 تريليون دولار حتى مطلع عام 2024، ما يجعلها ذراعاً اقتصادية لا يستهان بها في العالم وهي متجهة إلى الزيادة، لا سيما أن الآفاق مواتية بوجه عام لفتح أسواق جديدة، مع التركيز على الأسواق الناشئة وخلق شراكات استراتيجية شاملة.
وقال الجروان: إن صفقة رأس الحكمة غيرت موازين القوة الاستثمارية في المنطقة، كما أنها فرصة ثمينة، فهي فعلاً «جوهرة التاج»، إن جاز التعبير، وبدت عملاقة رغم التحديات التي تواجه دول العالم كافة.
وقدّر الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج الاستثمارات الإماراتية في مصر بعد هذه الصفقة بنحو 65 مليار دولار.
وأشار إلى أن الصفقة تعكس مستوى الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية بين الإمارات ومصر، من خلال تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الاستثمار والبنية التحتية، وتشير الصفقة إلى التزام كلا البلدين بتعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية، ما يعزز الثقة المتبادلة والتعاون المشترك.
وقال: «إضافة إلى ذلك تعكس الصفقة استراتيجية الإمارات في تبنيها الاستثمارات الخارجية كذراع مؤثرة نحو الريادة العالمية، وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة في المنطقة، وتوسيع نطاق الوجود الاقتصادي والتجاري للشركات الإماراتية في السوق المصري. وهذا يبرز التزام الإمارات بتعزيز الروابط الاقتصادية مع دول الجوار، وتعزيز التبادل التجاري والاستثماري، لتحقيق الازدهار المشترك».
ردود الفعل.. وشهادة الخبراء
حظيت تلك الخطوة بإشادات واسعة من خبراء الاقتصاد في مصر، وتوالت التوقعات حول مصير المشروع، ومدى جدواه، والأهداف الاقتصادية المرتقبة من خلاله.
وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور سيد خضر، في تصريحات خاصة لـ «الخليج»، إن مدينة «رأس الحكمة» قادرة على إحداث طفرة إيجابية في الاقتصاد المصري، فهي «أضخم صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر»، وستوفر العديد من المكتسبات المهمة، مثل توليد فرص العمل في مختلف القطاعات، ما يسهم في تقليل معدلات البطالة. هذا بالإضافة إلى تحفيز السياحة، من خلال تطوير المدينة كوجهة سياحية تجذب السياح المحليين والدوليين.
وأشار خضر إلى أن المشروع يسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي المصري ومستهدفات الدولة التنموية، خاصة أن الاستثمار في البنية التحتية سيسهم في تحسين الخدمات العامة، ما يعود بالنفع على السكان المحليين.
وأضاف أن مشروع «رأس الحكمة» سيخلق أيضاً بيئة اقتصادية ملائمة، ستؤدي إلى زيادة الدخل المحلي، ما يؤدي بدوره إلى زيادة الإنفاق، وبالتالي تعزيز نشاط الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وخلق المزيد من الفرص والمشاريع المساندة، مثل المطاعم، والمحلات التجارية، والمرافق الترفيهية التي ستستفيد من زيادة عدد الزوار والعاملين.
ومع التوجه نحو تطوير بيئة العمل، قد يتحسّن مستوى الأجور وظروف العمل، بحسب الخبير الاقتصادي، ما يُشجع على استقرار العمالة ورفع جودة الحياة.
هل يقضي المشروع على السوق السوداء في مصر؟
أوضح الدكتور سيد خضر أن هناك مكتسبات عديدة للمشروع في جوانب مهمة، مثل توفير النقد الأجنبي من خلال زيادة الإيرادات السياحية وتحفيز الاستثمارات الأجنبية، وهو ما سيعزز من دخول العملة الصعبة، مؤكداً في الوقت ذاته أن القضاء على السوق السوداء للعملة بشكل تام يتطلب جهوداً متكاملة، تشمل تعزيز الثقة بالاقتصاد المصري، وزيادة المعروض من العملة الأجنبية.
مكتسبات مصرية اقتصادية
من جهته، قال الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبو بكر الديب، في حديثه لصحيفة «الخليج»، إن هناك مكاسب واضحة للدولة المصرية من مشروع «رأس الحكمة»، تتمثل في: زيادة الاستثمارات، وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي، واستقرار الجنيه، وسداد المستحقات الخارجية، وتحويل الساحل الشمالى لوجهة سياحية عالمية، وتحقيق الموازنة أعلى فائض أوّلي في التاريخ، وتراجع الدين الخارجي، وتوفير فرص عمل للشباب، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتحسين جودة الحياة.
وأشار أبو بكر إلى أن التحويلات من صفقة «رأس الحكمة» بلغت حتى الآن 510 مليارات جنيه، وحققت الموازنة العامة للدولة المصرية فائضاً أوّلياً بلغ 822 مليار جنيه خلال العام المالي 2023 /2024، وبلغت الإيرادات 2.217 تريليون جنيه خلال الفترة من يوليو/ تموز إلى مايو/ أيار من العام المالي 2023 / 2024، ما يعني رفع كفاءة الإنفاق العام وتعظيم الموارد ودعم شبكة الحماية الاجتماعية والتنمية البشرية مثل التعليم والصحة.
كما أشار أيضاً إلى رفع صفقة «رأس الحكمة» تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 46.1 مليار دولار خلال العام المالي 2023 / 2024، مقابل 11 مليار جنيه خلال العام الماضي، ما عمل على دعم الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات العالمية، وعمل علي استقرار الجنيه المصري مقابل الدولار واختفاء السوق الموازية للصرف.
وساهمت الصفقة في خفض الدين الخارجي لمصر بأكثر من 15 مليار دولار خلال آخر 6 أشهر، من 168 مليار دولار مطلع العام الحالي إلى 152.8 مليار دولار بنهاية يونيو/ حزيران من العام الجاري. وهو ما وصفه الخبير الاقتصادي بالخطوة المهمة والمحفزة للمستثمرين.
وشدد الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبو بكر الديب، على أن صفقة «رأس الحكمة»، التي تعد أهم ثمار التعاون الإماراتي المصري، ساهمت في نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، ما عزز ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري، الأمر الذي يعكس عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين والرغبة المتبادلة في تطوير التعاون الاقتصادي بينهما.
0 تعليق