محرقة المشاريع الأصولية

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
محرقة المشاريع الأصولية, اليوم السبت 12 أكتوبر 2024 11:54 مساءً

يشتعل ملف بالنيران، ليأكل الآخر ويلغيه ويصرفه عن الواجهة. في هذا العالم، النار تأكل النار. وبعض الجمر مفيد لمن يكتوي به، باعتبار أن الكي شيء من الدواء الذي يقضي على الداء. لكن ويستعصي عليه علاج حماقة العواطف المغلفة بالأيديولوجية.

من المؤسف أن المنطقة تحتوي على كل أشكال تلك الملفات المحترقة، وكثير من الشخصيات الحمقاء التي تمتطي جواد الأيديولوجية الدينية. فقد اشتعلت الحرب على لبنان، وحيد قطاع غزة المدمر جانبا. وقتل زعيم حركة حماس في طهران إسماعيل هنية، وقامت الدنيا ولم تقعد. وأخذت نيران المقاتلات الإسرائيلية زعيم حزب الله حسن نصر الله على حين غرة. ونسي الجميع من سبقه.

بعد تلك المقدمة أريد الحديث هذا اليوم عن أمرين، الأول: انفصال قادة حزب الله وحركة حماس عن الواقع، ومواصلتهم ديباجة خداع الأمة. والثاني: فكرة الانتحار السياسي الذي تصمم على تنفيذه أذرعة إيران في المنطقة.

فقصة انفصال قادة تلك الميليشيات المتطرفة عن الواقع، ثابتة بالدليل والوقائع منذ عقود، وهم المعتمدون على المقامرات السياسية، التي لم تعد عليهم إلا بالوبال والخسارة.

وما يؤكد ذلك خروج نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، لرواية سرديات نابعة من حجم الضغط وحالة الشتات التي يعاني منها الحزب. يقول الرجل "الحل الوحيد بالنسبة لحزب الله هو المقاومة والصمود، والتفاف أهلنا حولنا، هذا هو خيارنا للنصر. نحن نضربهم ونؤلمهم، وسنطال المكان في الزمان الذي نقرره وفق خطتنا العسكرية الميدانية".

وهذه محاولة للتغطية على حالة التفكك التي يعيشها الحزب، بعد سقوط زعماء على رأسهم أمينه العام حسن نصر الله. ومن ثم فإن في ثنايا القول، تعمد لملمة الحواضن الشعبية التي بدت ممتعضة من الدخول في حرب غزة، وهو الأمر الذي تضررت منه باعتباره تسبب لتلك الشرائح بالتهجير والهروب من مناطقهم ومنازلهم.

اللافت في حديث قاسم الذي ظهر مرتين خلال أقل من أسبوعين، هو محاولة الزج برئيس مجلس النواب نبيه بري في الأزمة التي تسبب بها حزبه للدولة والإنسان. فقد وصفه بـ"الأخ الأكبر" للحزب وقيادته، وهذا يعني أن بري بات مفوضا، لإيجاد أي حل دبلوماسي للأزمة.

كيف؟ يعني أن الحزب ألغى تحفظه على مساعيه – أي نبيه بري - التي تطابقت في الرأي مع نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، على خطة عربية أمريكية بريطانية فرنسية، حول وقف إطلاق النار لمدة 21 يوما؛ وهي التي أبدت الميليشيات سابقا تحفظها عليها.

على ما يؤكد كل ذلك؟ أن الحزب في أسوء حالاته، عكس ما يردده قاسم وغيره، من ادعاء القوة بالعنتريات وفوضى المصطلحات والمفردات، لتضليل ما تبقى من الطبقة المؤيدة لا أكثر ولا أقل. عموما في وقت لاحق، علق بري على ذلك، واعتبر أن ذلك التفويض لا يغير شيئا.

وفي الجانب الموازي لم يبتعد خالد مشعل قائد حركة حماس في الخارج عن هذه الأجواء. لا بل إنه زاد من استرخاص أبناء غزة، كونه تبنى عامل مكاسب عملية طوفان الأقصى ونتائجها، وأنها ذات تأثير استراتيجي عميق في مسار الصراع، وتجاهل من قدموا التضحيات.

السؤال البديهي، هل يعلم مشعل أن الحرب خلفت مئات آلاف الأسر المشردة، والفارة من الموت، ناهيك عن القتلى؟ أم أنه يرى ذلك واجبا وفرضا، وهو يعيش في برجه العاجي بأحد القصور الفارهة المعروف موقعها، لذا يفكر فقط في السياسة والنتائج الاستراتيجية كما يزعم، دون اكتراث للبشر والحجر؟

الأدهى والأمر؛ تصويره أن حماس قدمت قادتها الكبار في المعركة، وعلى رأسهم إسماعيل هنية، ما يدل على انخراطها الكامل في عملية الطوفان. برأيي هذا كذب بوضح النهار واستغباء للرأي العام الحمساوي على أقل تقدير. فمعروف أنه هو وهنية ضمن بنك أهداف والموساد الجيش الإسرائيلي، قبل هجوم أكتوبر. وادعاء التضحيات، عملية مكشوفة الهدف منها الزج بأكبر قدر من مشاريع القتلى في أوراقهم المحروقة.

سآتي إلى نقطة الانتحار السياسي الخاصة بأذرع إيران. أتصور أن العقدة الكبرى لدى تلك الميليشيات، أنها لا تقرأ الماضي جيدا. ماذا أعني؟ أعني أن التاريخ يؤكد أن اختزال الطوائف والمشاريع وفكرة المقاومة، ستؤدي لا محالة إلى الفشل.

كيف؟ في حقبة تاريخية معينة اختزل الرئيس اللبناني بشير الجميل الطائفة المارونية في لبنان، وحين انفتحت الأفكار للجميع وتضاربت المصالح، تم اغتياله، وسقطت بذلك المارونية المسيحية.

وحين تحالف كمال جنبلاط مع الفصائل الفلسطينية نصرة للقضية وحاول الاستحواذ عليها، وعارض تدخل النظام السوري بعد تقدم الفصائل والحركة الوطنية اللبنانية التي يتزعمها، تصادم مباشرة مع الرئيس حافظ الأسد، وتم اغتياله.

وهنا يجب الإشارة إلى أن كل تلك التصفيات تختلف جذريا عن تصفية نصر الله. بماذا؟ كونها تندرج في سياق سياسي محلي بحت، أما مشروع حزب الله طائفي مقيت عابر للقارات، استهدف تحويل لبنان إلى دولة تابعة للخارج.

وحتى المقاومة المسلحة أثبت فشلها تاريخيا، والدليل هروب منظمة التحرير والفصائل المحسوبة عليها بقيادة ياسر عرفات من لبنان عام 1982م، إلى تونس.

قد يقول قائل إن كل دولة لها حدود مع إسرائيل، يجب أن تكون المقاومة حاضرة في قواميسها. هذا غير صحيح. فسوريا والأردن ومصر لها حدود مع إسرائيل، ولا تملك حركات مقاومة.

إن المنطقة والعالم لن تحتمل بعد قوالب التطرف الديني، فكما تم تدمير أفكار التشدد السني، المتمثل في القاعدة وأذرعتها. على الإرهاب الشيعي، انتظار السقوط المدوي.. والموت في محرقة المشاريع الأصولية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق